Placeholder canvas Skip to content

إقرأ أيضاً

القصة لا تبدأ من أبو فدك
OIP
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عدنان حمد في "ملاعب محتلة" أخلاقي بجبين عال
283379669_5583351188350850_8931524888777769093_n
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أردن ممزق لا يحمي فلسطين
593402
pexels-sabine-fischer-19052546
جودية سامي
الإصلاحيون مجرد تسمية أخرى للمتشددين في إيران
mehrshad-rajabi-9u7_4jwiiTw-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
تطور التوقعات: من الحواسيب الشخصية إلى الذكاء الاصطناعي، رحلة عبر الترقب التكنولوجي
_4c1b25a1-6f38-4d18-825a-77e6502824e5
WhatsApp Image 2023-11-29 at 18.16.00
م. رشاد أنور كامل
American Fiction عن زمن التفاهة
American-Fiction-2
Colette Bahna 2
كوليت بهنا
الدبوس الأحمر
pexels-sabine-fischer-19052546
جودية سامي
March 17, 2024
جودية سامي -

ببزاتهم الأنيقة وفساتينهن الغالية الأثمان يخطر فنانو العالم على السجادة الحمراء تتخطفهم عدسات كاميرات المصورين، وتنظر إليهم أعين العالم بإعجاب وحسد. يراهم الناس كألعاب من الخزف، يعيشون في أبراجهم العاجية منفصلين عن العالم ومآسيه. في هذا العام فاجأنا العديد من الفنانين بوضع دبوس أحمر على صدورهم في احتفال الأوسكار، الاحتفال الأفخم في عالم السينما. بيلي إيليش، فينياس أوكونيل، مارك روفالو، آفا دوفيراني وغيرهم الكثيرون استطاعوا بدبوس صغير أن يلمسوا قلوبنا ويقتربوا منا، نحن شعوب العالم المسحوق. لكن يبقى خطاب جوناثان جليزر هو اللفتة الأعمق و الأكبر أثراً، وأهم دبوس أحمر.  حضر جليزر إلى الحفل متسلحاً بورقة بيضاء تحمل خطابه الذي سيلقيه عندما يعلن اسم فيلمه “منطقة الاهتمام” الذي يتحدث عن الهولوكوست من زاوية غير مطروقة، عن فئة أفضل فيلم روائي طويل، الخطاب الذي أزعج الكثيرين وأخرجهم من “منطقة الراحة”.

لعل فضح التناقضات هو ثيمة جليرز، لا في فيلمه فقط بل في خطابه أيضاً، خطابه الذي تم تشويهه بنفس الأداة الفوقية؛ تحويل الضحية إلى سلاح. لا شيء يقول أنا يهودي أكثر من رجل يهودي الاسم والعرق، يخرج فيلماً عن مأساة اليهود الكبرى، ويستلم أكثر جائزة مرموقة في عالم السينما إلى جوار زميلين يهوديين أيضاً. لكن كل هذه الاعتبارات سقطت أمام جملة قالها في خطابه: أننا نرفض أن يتم اختطاف يهوديتنا والهولوكوست على يد احتلال. واعتبر جليرز متنصلاً من يهوديته لأنه سمى الأشياء بمسمياتها.

الفيلم المأخوذ عن رواية مارتن أميس تدور أحداثه في عام 1943، متتبعاً قصة رودولف هوس، قائد معسكر اعتقال أوفيتز الذي يعيش مع زوجته وأطفالهما الخمسة في منزل مثـالي بمحاذاة معسكر الاعتقال “غير المثالي”. “أصبحت الإبادة الجماعية محيطة بحياتهم”، هكذا وصف جليزر الأجواء التي التقطها فيلمه العبقري. حياة طبيعية في مسار متوازٍ مع آلة قتل عاتية تئز بلا توقف خلف جدار حديقتهم. ولا أدري هل كان جليزر متبصراً للمستقبل، وهل كان يعلم وهو يصور مشاهد فيلمه أن العالم سيشهد في خريف 2023 فيلماً واقعياً يبث بالصوت والصورة، ممتداً ومستمراً عبر أشهر من المعاناة يجسد تفاهة الشر ونزعته نحو تجريد ضحاياه من الإنسانية، وأن هوس ليس مجرد شخصية في فيلم، بل هو أشخاص حقيقيون من لحم ودم يستمرئون الدم البشري، ويسحقون بآلاتهم العسكرية وألعابهم السياسية عظام الأطفال كأوراق شجر خريفي.

يعيش العالم اليوم بجوار الإبادة الجماعية بتوازٍ مقلق يشهد على إمكانية قبول الفظائع والتصالح معها كجزء طبيعي من الحياة، وربما أيضاً استخدامها كرافعة شخصية سياسياً وإعلامياً. ولا يسع أي إنسان طبيعي أن لا يفكر في اليوم الذي قد يصبح لونه أو عرقه أو لغته موضوع مذبحة قادمة يشاهدها العالم على شاشات التلفاز والهواتف الذكية، لينتقل المشاهدون بعده سريعاً إلى فاصل الإعلانات أو الفيديو التالي.

إن سكان الكوكب الأزرق أمام لحظة مفصلية في تاريخهم، تستلزم الوقوف والمراجعة وتعديل المسار. يوماً ما سيتساءل طالب في الصف السابع يقرأ أحداث خريف 2023 -إذا سمح بتوثيقها وتدريسها أصلاً- كيف وقف العالم مكتوفاً أمام قتل آلاف الفلسطينيين وتجويعهم وفرض حصار خانق عليهم؟ نتساءل اليوم كيف أقنع هتلر المواطنين العاديين أن قتل اليهود أمر ضروري، وكيف تطبع الألمان العاديون، مع وجود آلة قتل ممنهج في محيطهم كأي مرفق عام آخر. في خطابه قال جيلرز: “كل الاختيارات عكست الحاضر وواجهتنا به، ليس لنقول: انظروا ماذا فعلوا في ذلك الوقت، بل انظروا ماذا نفعل الآن!”. وأتساءل كما يتساءل الكثيرون، لماذا ينظر العالم إلى الهولوكوست على أنها كارثة يهودية محتكرة، ألم تكن كارثة عالمية؟؟ ألم تكن الهولوكوست فرصة للعالم لينظر إلى امتداد نظرية “حيونة الإنسان” ويفكر كيف يحوِّل بيان رد الفعل العاطفي: “never again” إلى أداة أكثر مبادرة في كبح جماح شر الإنسان تجاه الآخر؟ لماذا مسخ البيان إلى مجرد بوليصة تأمين حصرية لليهود، أضحت أداة ابتزاز عالمي في يد دولة الاحتلال، تلوح بها أمام كل من يسائلها عن جرائمها، ولا يجدي معها سوى الصمت والقبول.

توثيق التاريخ لم يكن كافياً لمنع تكرار المأساة، ولا تحسُّس اقتراب حدوثها، ودق ناقوس الخطر. المراجعة المطلوبة تعني أن ننظر إلى المذبحة، أي مذبحة بإسقاط تام لهوية شخوصها ولونهم ودينهم وعرقهم، والبحث في السرديات المشوهة التي أدت إلى تنميط نزع الإنسانية عن الآخر، والتمهيد لارتكاب المجازر والإبادات الجماعية. ولعل جلّ ما في وسعنا كبشر مؤمنين بإنسانية الإنسان اليوم، أن ندق ناقوس الخطر، وأن نقول للعالم أن التاريخ يعيد نفسه، وأن نستمر في الحديث عن المذبحة وإعادة أنسنة ضحاياها دون انقطاع إلى… أن تتوقف. شكراً لأصحاب الدبابيس الحمراء، لانهم يدقون ناقوس الخطر ويعيدون للفلسطينيين إنسانيتهم المُنكَرة.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.