skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

الانتقال من الفشل إلى الفشل جدًا
OIP (1)
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أزمة الفهم الأخلاقي الأمريكي للمسلمين
gettyimages-633356570
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
قانون الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي: تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والمسؤولية الاجتماعية
9e45c84d-f930-4bc4-8688-378ea0820f0d
WhatsApp Image 2023-11-29 at 18.16.00
م. رشاد أنور كامل
فوضى حواس أردني
DSC02663
Malik Athamneh3
مالك العثامنة
الفساد شريان الحياة السياسية في العراق
nohe-pereira-RvxSeJSgtUE-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
دول اليوم وجيل الغد
sasan-rashtipour-K6QvBBT17qE-unsplash
pexels-sabine-fischer-19052546
جودية سامي
التطبيع مع غزة... ما بعد الشفقة المراوغة
WhatsApp Image 2023-10-04 at 19.42.28
سامح المحاريق
February 20, 2024
من الدمار الناتج من القصف الإسرائيلي في قطاع غزة/ Photo by Emad El Byed on Unsplash
سامح المحاريق -

توجهت قبل سنوات إلى لاهاي لحضور ورشة عمل موسعة حول اللاجئين، ولفت انتباهي مصطلح Displaced  الذي يمكن وصفه بالمهجرين أو المشردين أو أي شخص أجبر على الانتقال من موطنه أو مكان سكنه، مع أن الحديث كان منصرفاً بشكل شبه حصري إلى حالة اللجوء السوري، ومصطلح اللجوء مستقر من الناحية القانونية وفي مختلف الأدبيات التي تتعلق بالنزاعات والصراعات المسلحة.

المصطلح، أي مصطلح معضلة كبيرة، وفي حالة الحديث عن التهجير فهو مصطلح واسع وشمولي، وفي الوقت نفسه، تمييعي، فالتهجير يمكن أن يحدث لمنطقة سكنية لشق الطرقات أو بناء بعض المرافق، من الناحية العملية، يظهر وصف Displacement  ليضع هذه الحالة بجانب التهجير بقوة السلاح والانتزاع الكامل من الأرض من غير أدنى عناية من الجانب المعتدي بالذي سيحدث للمهجرين (اللاجئين) بعد ذلك من أثر مباشر يشتمل على الوقوع في فخاخ المرض والجوع والبرد والمهانة، وأثر آخر ممتد عبر الأجيال يظهر في أزمات الهوية وانعدام الاستقرار النفسي والوصمات التي ترافق الجيل الثاني والثالث وما تلاهم من لاجئين نتيجة حالة الانكشاف التي تعرض لها أجدادهم، انكشاف كثيف ورديء أمام العالم لرجال عاجزين ونساء مكلومات، وأطفال يرتعشون برداً ويصرخون جوعاً، لجماعة بشرية تتحول إلى موضوع للشفقة.

الشفقة في جوهرها شعور هش للغاية لأنها تعويض لمن يمارسها يتضاءل مع الوقت ليتحول إلى شعور بالتفوق والتمنن، وعلى اللاجئ وأبنائه وأحفاده أن يسددوا ذلك في كل مناسبة، أو ينتقموا منه، بصورة واعية من خلال تحميل الطرف المشفق حصة من المسؤولية كثيراً ما تكون غير ملزمة، أو غير واعية، من خلال استنزاف الذات في محاولة التفوق في إثبات الذات بصورة تلقي بالفرد إلى دوامة من طلب الاعتراف من المحيطين به.

صباح اليوم، مشهد قصير على الأنستجرام، دفعني للتوقف عن التقليب، والانكفاء إلى أفكاري الشخصية، المشهد يتحدث عن تراث من الصور وجده في القاهرة حفيد المصور الأرمني كيغام جيغليان لمجتمع مدينة غزة الذي يظهر ممعناً في البرجوازية والمظهر الأوروبي.

تعود مجموعة جيغليان إلى حقبة تمتد من الأربعينيات إلى السبعينيات، ومن خبرة عملية في البحبشة، يريحني القول أن الحياة في غزة كانت قريبة في الانفتاح السكندري أو البيروتي في تلك الحقبة، وأكثر تقدماً من مدن الداخل مهما بلغت أهميتها وتأثيرها، وأعني القاهرة ودمشق.

على سبيل الاستطراد، أتذكر جلساتي مع السيدة سهام الدباغ رحمها الله، ابنة يافا التي شهدت النكبة، وهاجرت مع أسرتها إلى دمشق، والدهشة البريئة التي حملتها عندما اكتشفت أنه لا يوجد بيانو في مدرستها الدمشقية، ومع أن السيدة الدباغ كانت تنتمي إلى أسرة ميسورة ويمكن وصفها بالأرستقراطية، وأتت من مجتمع متاخم لنمط حياة حداثي ومتقدم بأي مقياس عالمي، إلا أنها أخذت تتلقى وصف لاجئة بين الزميلات بصورة تنمرية، وأعتقد أن السبب الحقيقي وراء السلوك العدواني من الزميلات كان متعلقاً بأنها جميلة بفي صباها للدرجة التي تثير الضغائن بين الدمشقيات.

سهام الدباغ القادمة من شمس يافا المفتوحة وجدت نفسها في خباء دمشق المتحفظ، ومع ذلك، كانت محظوظة للغاية.

المخيم هو قاع الجحيم الأرضي، وكل رحلة للخروج منه تشكل أوديسا شخصية، ومهما تطبع المخيم مع المدينة أو البلدة المحيطة، يبقى مخيماً، تحكمه قوانين الندرة والمصادفة أو الحياة (بما تيسر ومن حضر)، والمخيم مكان نشط لإنتاج أمراض نفسية كثيرة، بعضها أمراض نبيلة مثل الحساسية والتعاطف الزائدين، ولكنها خارج ما يمكن وصفه بالحدود السليمة للطاقة النفسية للإنسان.

وكانت غزة بمساحتها الصغيرة، هي المدينة الأكثر معاناة من محنة المخيم ووجوده، المدينة الصغيرة التهمها المخيم، وتزاحمت في أزقتها معاناته، وأصبحت مدينة تلحقها الاتهامات المعلبة، حتى بين الفلسطينيين لم تكن غزة سوى الموقع الأدنى في هيراركية البؤس الفلسطيني.

يوجد فلسطينيون أخرجتهم النكبة وأطلقتهم إلى العالم، خاضوا بشجاعة اليأس وجرأة الافتقاد للحائط تجربة الحياة وأثبتوا أنفسهم، في الولايات المتحدة وأوروبا والخليج، وآخرون في بلدان أقل ثراءً ووفرةً، ويوجد فلسطينيو الضفة الغربية، والداخل المحتل سنة 1948 الذين يتمتعون بكثير من مزايا الجنسية الإسرائيلية، والمختطفون من الزمن على هوامش المكان في مخيمات سوريا ولبنان،  وتوجد غزة، أو الجانب المحترق من رغيف العيش الفلسطيني، المخيم الكبير الذي تحول مع الوقت إلى معسكر للعقاب الجماعي.

ما الذي يعنيه أن يصف الشخص نفسه بالغزاوي؟

هل هو الشخص الذي يسكن القطاع؟ هذه مسألة ملتبسة، فالتسليم بغزاوية جميع من يسكنون في غزة يتناقض جوهرياً مع أحد المبادئ الخاصة بأوضاع اللاجئين، بل وفلسفة القضية نفسها.

ومع ذلك، فالجميع يتحدثون عن أنفسهم بوصفهم أهل غزة، ولو أن هذه العبارة في أكثر من 70% من الحالات، ليست صحيحة، 70% من أهل غزة لاجئون، أهل لمكان آخر، مكان لم يتمكن معظمهم من زيارته، مكان لم يعد موجوداً في حالات كثيرة.

الغزاوي يحترف الإقامة في اللا زمان واللا مكان.

مساء الثلاثاء، (طقت) في رأس محمد ومحمود أن يعودا إلى غزة في اليوم التالي، برنامجنا الدراسي ينتهي الخميس، ولكنهم لا يمكن أن يسافروا يوم الخميس وسيضطرون للإنتظار إلى الأحد الذي يليه، سيتكبدان يومان إضافيان لأن السلطات المصرية لن تسمح بهبوطهما في مطار القاهرة مساء الخميس، لا يمكنهما أن يقضيا نهاية الأسبوع في القاهرة، عليهما أن يهرعا خارج المطار بمجرد الوصول إلى القطاع، أحمد ومحمد  دفعا مئات الدولارات للتنسيق من أجل الخروج من القطاع وليس من حقهما أن يشاهدا النيل!

هذه الحادثة وقعت في أيلول الماضي، أياماً قليلة قبل الحرب، وقبل أن تحضر غزة بكل أسئلتها على الطاولة، وتأتيها الإجابة المتوحشة.

المفاجأة ليست في أحداث السابع من أكتوبر، فالحدث طبيعي، وما هو غير طبيعي هو وجود المعاناة في غزة كل هذا الوقت، وما غير طبيعي هو الظلم الذي تعرضت له غزة، وخاصة من ذوي القربى، وكم نحن بحاجة إلى التطبيع مع غزة، بكل أسئلتها وغبارها.

تحولت غزة إلى قنبلة بشرية معبأة بالغضب والإحباط، وكان الجميع يراها قادرة على استيعاب المزيد، ولم يدرك أحد أن غزة لم تعد تتسع حتى لساق جديدة أو ذراع إضافي، وأنها ستفيض لأنها تحملت حصة فائضة من عملية التهجير الكبرى التي بقيت تتوارى تحت المسميات من لاجئين إلى مهجرين إلى مشردين، إلى جماعة برزخية معروضة للموت ليلتهم منها ما تطاله أصابعه المدببة. استعادة غزة من الفراغ، من استيعاب الحصة المنسية من اللاجئين، من الموت المتجول والرعب المقيم، من التيه بين الزمان الغائم والمكان السائل، مسؤولية أخلاقية، والحديث عن إعادة إعمار غزة ليس كافياً، فالمطلوب هو البحث عن حياة طبيعية في غزة، حياة تحمل بعضاً من ملامح الإنسانية والعدالة.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.