إقرأ أيضاً
فتح صحافي موضع ثقة بالنسبة لرئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، هاتفه على مقطع فيديو لمتحدث عراقي مع إحدى القنوات الفضائية بعد ليلة واحدة من مقتل مشتاق طالب السعيدي، أحد عناصر ميليشيا “النجباء”.
شاهد السوداني باهتمام الفيديو الذي لا يشكل، على الأغلب، مفاجأة وسط ضجيج التعليقات التلفزيونية السامة المتصاعدة في دكاكين القنوات الفضائية العراقية.
كان المتحدث في الحوار التلفزيوني يضع خلاصة للمؤشرات المترتبة على مقتل الميليشياوي “أبو تقوى” في حركة “النجباء” تصل إلى نتيجة مفادها “إن الأمل الأخير للإطار التنسيقي للبقاء في سدة الحكم هو السوداني، وبمجرد إسقاطه سيسقط حكم الشيعة”!
لم يتأخر السوداني في التعليق على كلام المتحدث مع قناة فضائية هي بالأساس من أكبر المروجين لخطاب الإطار التنسيقي، فقال “ليس السوداني! بل الأمريكان هم أملنا الأخير للبقاء في سدة الحكم، وبمجرد أن نخسرهم، سنخسر كل شيء”.
على الجانب الأخر في تلك الليلة كانت بغداد تعيش أجواء لا تعير أي اهتمام لمقتل السعيدي بما فيها القنوات التلفزيونية الولائية، ليس إيغالا في شماتة قتله لأن أعداد العراقيين الذين قتلهم على الهوية في الطارمية وحدها، تجعل قدر مقتلة بضربة أمريكية ليس كافيًا، بل لأنه لم يبق من العراقيين من يرى أن تلك الحادثة تستحق الاهتمام على من قتل فيها ومن سيقتل بعدها (…) مع أنه لو حدثت في أي بلد آخر لتحولت إلى قضية رأي عام!
لا أحد بدا عليه التأثر في الشارع العراقي، فهؤلاء الذين استحوذوا على ثروة العراق وحكمه لا يجدون من العراقيين من يعبأ بمقتلهم .
فأين حاضنتهم بعد عشرين عامًا، ومن سيدافع عنهم عندما تحين لحظة الوصول إلى المعادلة الصفرية للعملية السياسية، بينما هم إلى اليوم وبعد عقدين من انهيار النظام السابق يتحدثون عن أيتام له “يا لبؤسهم فقد عجزوا لدرجة لن يكون هناك من يتحدث عن أيتامهم بعد استعادة العراق من خاطفيه”.
الأجواء الطبيعية التي مرت على بغداد والمدن العراقية الأخرى ليلة مقتل السعيدي تجيب على هذا السؤال، فمقاهي بغداد ومطاعمها لم تفرغ من زبائنها وكأن شيئا لم يحدث، ذلك ما سيحصل أيضًا لو قُتل كبار المتسيدين على أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي وكل زعماء أحزاب إيران في العراق.
لماذا؟ ببساطة متناهية لأنهم لم يفعلوا شيئا للعراق سوى إثراء أنفسهم وتهريب أموالهم إلى خارج البلاد في ترقب مستمر لساعة الفرار.
بوسعي أن أقتبس هنا، مرة أخرى، ما كتبه محمد توفيق علاوي عن تسديد الثمن، عندما نقل عن رئيس وزراء سابق بأن العراقيين سيدخلون يومًا ما على بيوتنا في المنطقة الخضراء ويسحلوننا في الشوارع! وهي نتيجة لا تفرق كثيرًا عما حصل ليلة مقتل السعيدي وسيتشابه المشهد لو قُتل المالكي أو الخزعلي أو العامري والحكيم.
السوداني استوعب الدرس جيدا عندما استمع بعناية وانصياع تام لثلاثة مسؤولين أمريكيين على مدى الأشهر الماضية، إضافة لوزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، بأن عليه أن يضع الميليشيات الولائية تحت سلطته كي لا تكون العواقب وخيمة. لذلك يتحدث لصديقة الإعلامي عن كون الأمريكان هم أمل الإطار الأخير وليس إيران، للبقاء في السلطة فعلينا ألا نخسرهم.
غير أن تقريرًا لصحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية أكد على أن السوداني لا يستطيع السيطرة والتأثير على الميليشيات الولائية المسلحة.
فقد وضع كلا من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الخارجية انطوني بلينكن ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، السوداني أمام سياسة “اللاخيار” حيال خضوع حكومته إلى سطوة الميليشيات الولائية.
بينما قال ديفيد كاميرون للسوداني في اتصالين هاتفيين كسرا البروتوكول الدبلوماسي في اتصال وزير خارجية برئيس حكومة، بأن العراق غير مهيأ أن يلعب أي دور محتمل في الصراع القائم حاليًا في غزة، وعلى رئيس الحكومة أن يمارس سلطة أقوى لمنع الميليشيات المارقة من تجاوز ما مسموح لها وحماية الرعايا الأجانب في العراق.
استمع السوداني لهذه الجملة من كاميرون عبر الهاتف “ليس بوسع حكومتك تحمل تكلفة الانفلات في العراق”. كان أول المؤشرات على ذلك مقتل الميليشياوي السعيدي غير مأسوف عليه، إذا مرت أمسية العراقيين تلك الليلة من دون أن تتأثر أجواؤها، بينما لا يجد زعماء ما تبقى من الميليشيات أي حاضنة لهم ولا أحد من العراقيين سيأسف عليهم أن تكرر مشهد مقتل السعيدي معهم.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.