إقرأ أيضاً
لا يمكن أن يمر تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أثناء زيارته إلى بغداد، بأن بلاده “تريد عراقا قويا ومستقلا” من دون أن يمنع العراقي نفسه من التهكم والسخرية. فبزشكيان نفسه غير قادر على تبرير هذه الادعاء الأجوف. ويدرك أن أقرب أتباع بلاده من أحزاب وميليشيات إيران في العراق لا يصدقون هذا الكلام، فكيف بالعراقيين، دع عنك العرب.
زعم الرئيس الإيراني بأن عدو بغداد وطهران، واحد، في إشارة إلى الولايات المتحدة وهو صحيح في شكله اللغوي، لكنه مضلل في تعبيره السياسي عندما يصدر من أي مسؤول إيراني. فالولايات المتحدة عندما وضعت العراق عدوا حقيقيا لها، لفقت الأكاذيب من أجل احتلاله، بينما لا تضع واشنطن إيران بمرتبة العدو الخطر وتنظر إليها كعدو ودود وهو أفضل من صديق لدود!، فوقعت الاتفاق النووي معها في زمن الرئيس باراك أوباما، وفي كل لغة العداء المفترضة بين واشنطن وطهران في عهد دونالد ترامب أو جو بايدن كانت هناك قواعد اشتباك غير مسموح لطهران تجاوزها مع الولايات المتحدة. لا ترفعها لمرتبة العدو.
في كل الأحوال بزشكيان ليس على درجة من الذكاء السياسي كي يستغفل الرأي العام في هذا الخطاب، وإنما هو موجود في العراق كأحد الخيارات الأمنة للنظام المبني على التشدد، وكان رهانا للمرشد الإيراني علي خامنئي، بل رهانا فريدا في نوعه، عندما يتم حسابه على الإصلاحيين في تسمية فاقدة لصلاحيتها السياسية وفي دولة يقودها المتشددون.
بزشكيان في وظيفته كطبيب يعمل اليوم كرئيس لعلاج اقتصاد دولة متهالك وشعب محبط للغاية، ونظام سياسي تقع أغلب السلطة في أيدي خامنئي، وحرس ثوري يعامل بازدراء كبار المسؤولين الذي يحاولون انتقاد سياساته.
والعراق النافذة الأقرب والأوسع بثروته لتخفيف العبء الاقتصادي على إيران.
ذلك المعلن من أجندة زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق كما لخصته صحيفة “فرهیختكان” المرتبطة بعلي أكبر ولايتي، أحد أكثر السياسيين الإيرانيين المرتبطين بخامنئي وينظرون إلى العراق مجرد محافظة فارسية بسكان عرب!
تعمدت هذه الصحيفة تأكيد الجانب الاقتصادي في زيارة بزشكيان من أجل “جلب الأموال وإبرام عقود تساهم في حل الأزمات الاقتصادية التي يواجهها النظام”. غير انها لم تسأل لماذا فريق من قادة الحرس الثوري الإيراني يرافقون مسعود بزشكيان إلى بغداد إذا كان هدف الزيارة محظ اتفاقيات اقتصادية!
الأجندة غير المعلنة لزيارة الرئيس الإيراني تجيب على هذا السؤال بوضوح سياسي لا يمكن أن يغفله المتابع.
لقد كرر بزشكيان أشهر جمل خامنئي التي طالما يستهل بها لقاء أي من الاتباع في العراق عندما يؤكد على “أن وحدة الطائفة فوق أي اعتبار وطني عراقي”.
أعاد الرئيس الإيراني في كل لقاءاته مع الاتباع في بغداد تعريف العلاقة بين النظام وأحزابه وميليشياته في العراق. قائلا “عندما نجلس معا فليس هناك إيران والعراق، بل ما يوجد هو شعب شيعي واحد، والخطر يكمن عندما ينقسم الشيعة على نفسهم في العراق، تلك رسالة خامنئي لكم”!
فهل بعد ذلك يمكن لعاقل أن يعول على جملته الواهنة عن “العراق القوي المستقل”.
هذا الرجل يفتقر إلى الخبرة في السياسة الدولية، وأن تكرار الكلام لا قيمة له عندما يصدر من أي مسؤول إيراني، فكيف عندما يصدر من بزشكيان! فزمن الكلمات قد انتهى بمجرد أن رفعت الميليشيات الولائية سلاحها بوجه العراقيين، وهي تتحدث بصلافة عن ولائها المطلق لخامنئي.
في النهاية هناك لعبة روليت سياسي في المنطقة لم تنته بعد، وقد وصل بزكشيان إلى أخر أشواطها متأخرا. قد تبدو فيها إيران منتصرة لحد الآن في العراق ولبنان واليمن، لكن لا أحد يمكن له توقع ما الذي سيحصل بعدها.
ويفسر ذلك، التخاذل المذل التي بلعته طهران بعد أن أهينت في عقر دارها باغتيال إسماعيل هنية، وتحول ردها إلى مجرد حرب كلامية فارغة ومواعيد انتقام لم تصل بعد.
إذا كانت إيران تبدو مطمئنة على حكم أتباعها في العراق من أجل عمقه الجيوسياسي وثروته التي تستنزفها بدون وجه حق “وقع بزشكيان مع السوداني 14 مذكرة تفاهم اقتصادي”، فأن كل الذي يحصل اليوم هو مجرد هدوء سياسي خادع يمكن أن يعزى إلى أن الجميع يريد كسب الوقت، بما فيهم إسرائيل والولايات المتحدة.
ولكن ما يعنيه هذا في واقع الأمر، هو أن الجميع يلعبون لعبة غير مضمونة العواقب، ويراهنون على قدرتهم على التحكم في النتيجة. بيد أن انتظار شهرين لانتخاب رئيس أمريكي جديد سيجيب على حزمة أسئلة، لن يكون بعدها الترقب بنفس قيمته الثمينة اليوم.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.