skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
هاي فلسطين يا بابا
WhatsApp Image 2023-10-04 at 19.42.28
سامح المحاريق
February 5, 2024
تعبيرية/رام الله/ @Photo by nour tayeh on Unsplash
سامح المحاريق -

على أحد الجبال المرتفعة في محافظة مادبا، وقف الأب بجانب طفله ذو الأربعة أو خمسة أعوام، وبعد أن استحوذ على كتفه ووجه رأسه إلى الأفق، قال له، هاي فلسطين يا بابا!
كنت أعرف أن الاتجاه الذي يقفان أمامه ليس فلسطين، وأن الجبال المرتفعة التي يقصدها ويتصور أنها جبال فلسطين، تقع داخل الأردن، مع ذلك لم أتدخل لتصحيح المعلومة، هذه أكذوبة عادية، أكذوبة تحدث بها الأب لنفسه عشرات المرات من قبل، والفلسطينيون والأردنيون معتادون على الحديث عن بعض الإطلالات التي ترى أضواء فلسطين في المساء، وفي النهار، دائماً يتعللون أن الجو ليس صافياً بما يكفي لترى فلسطين، ولكنها تظهر في الأيام الصافية الأجواء، الأيام التي لا تأتي أبداً.
عرفت أن الأب من اللاجئين الفلسطينيين، الذين لم يتمكنوا من زيارة فلسطين في حياتهم، أستطيع أن أتبين نبرتهم عندما يتحدثون عن فلسطين المُتخيلة، بنفس المشاعر التي يتحدث بها الأطفال عن أب قضى في سن مبكرة، لا يتذكرونه بما يكفي، ولكنهم لا يساومون في شعورهم بالفخر تجاهه، الذاكرة البيضاء تساعدهم، ويختلفون عن الأطفال الذين عاشوا مع آبائهم لفترات طويلة، يتذكرون أحياناً الصفعات التي تلقوها في يوم أو آخر، ويمكنهم أن يشيروا بأصابعهم إلى اليوم الذي اكتشفوا فيه أن والدهم ليس أقوى رجل في العالم، وأن عليه أن يقدم تنازلات كثيرة في عمله وحياته من أجل العائلة، يحبونه بالقطع، محبة صحية وطبيعية، مختلفة عن محبة الأب الذي لا يتذكرون منه إلا طيفاً بعيداً، ويتخطفون صورته من منازل الأعمام والعمات.
مثله، تحلق ثلاثة شباب، على شباك طائرة اللوفتهانزا، هاي فلسطين، أخرجوا هواتفهم المحمولة، أخذوا يصورون الأضواء، كانت فلسطين بالفعل، ولكنها فلسطين التي ليست مختلفة عن أي بلد آخر، مجرد أضواء في الليل، العالم كله متشابه من هذه الزاوية للرؤية، ومع ذلك، كانوا يتحدثون بمرح طفولي، هاي فلسطين، وكانوا ثلاثتهم، من أبناء اللاجئين الفلسطينيين للجيل الثالث، أو أردنيين من عائلات ما زالت تسمع من الآباء والأجداد أحاديثاً عن زياراتهم لفلسطين، عن الخليل وقراها، رام الله، وطبريا، ويعرفون أنه كان يمكن للشخص أن يستقل الباص من عمان إلى القدس ويعود في اليوم نفسه.
قضيت الأشهر الماضية في أحاديث مستفيضة مع الفلسطينيين، الفلسطينييون في داخل والخارج، والعروبيون الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من المسألة الفلسطينية، آخرهم، آلان بيطار الذي تعد مكتبته الزيتونة مركزاً حركة مناصرة لفلسطين في مدينة جنيف السويسرية.
يقيم آلان في جنيف منذ سنة 1960، وصلها طفلاً في السادسة، قادماً من السودان ليكون بعيداً عن الاضطرابات السياسية التي عايشتها عائلته، وفي البحث عن هويته في جذوره العائلية الممتدة بين سوريا ولبنان ومصر والسودان، وجد نفسه يختار طواعيةً هويةً من لا هوية لهم، أي الفلسطينيين، ليقول في لقاء مع إذاعة مونت كارلو: “لقد اخترت مَـن هم أقرب إلى وضعيتي، أي الفلسطينيين لأنهم لا حدود لهم وليست لديهم دولة وأن غالبيتهم لا تعرف أراضيها، ولو أنها تعرف أنها من الناصرة أو حيفا أو بيت لحم”
وكأن اللاجئين ينقصهم آلان بيطار الذي أراد أن يكون معهم، ويعيش من غير جنسية في بلد لا يكاد يعرف غيره، بلد يمتلك الكثير من المغفرة ليضم منظمات كثيرة تتحدث عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة، ويرفض أن يغفر لآلان انخراطه في أنشطة سياسية منذ أكثر من نصف قرن!
كان آلان حزيناً، وهو يرى وطنه الاختياري، يعاني من مأساة جديدة، ويتابع تراجع الأعمال في مكتبته، ويجتر خيبته في المثقفين العرب الجدد، وكان يمكن أن أعود في المساء لتلبية دعوته لمواصلة حديثنا بعد حفلة موسيقية صغيرة في المكتبة، تناسيت الدعوة متعمداً، فالخيبة هي الشيء الذي لمحته في كل مكان حولي، وراء ما يحدث كان شعور عميق بالسقوط المريع لحضارة كاملة، سقوط أخلاقي مرعب وكارثي.
سمعت أطرافاً من الحديث حول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في الأمم المتحدة، وحول طواحين الهواء التي تواجهها الدبلوماسية الأردنية التي تمتلك هامشاً أوسع في التحرك من الفلسطينيين المطالبين بالخوض في الأسئلة الصعبة قبل أي شيء، بإطلاق الرصاص على أقدامهم وألسنتهم، وما يواجهه السفير الفلسطيني حسام الزملط على شاشات التلفزيونات الغربية ليس سوى رأس جبل الجليد، رأيت الأردنيون كعادتهم يفزعون، ولكن الأزمة كبيرة، خرجت يائساً ومحبطاً، حربنا واسعة ومعقدة، حرب حول المفاهيم يجب أن تبدأ من الألف باء، لتصل إلى تفسير بنود القانون الدولي والوثائق التاريخية.
هل تدفع هذه الزاوية الحرجة اليوم إلى الحديث عن الصفقة الكبرى؟ هل سيصبح الحديث عن اللاجئين أو القدس العقبة المطلوب إزاحتها من أجل تمكين الفلسطينيين من مجرد البقاء على قيد الحياة وتخفيف احتمالات الموت المجاني من غير تحييدها بالكامل؟
من يمتلك الجرأة الأخلاقية ليرفض وقف العدوان على غزة الآن وفوراً؟ من يمكنه أن يرفض الجزرة المعلقة في الهواء مع الدولة الفلسطينية المعروضة التي تعد النسخة الممكنة والمتاحة من صفقة القرن التي رفضت قبل فترة غير بعيدة؟
لا أعرف كيف يفكر السياسيون، ولكنه تنازل مريع ووحشي.
في الثاني من شباط كان تفكيري منصباً على بعض الأمور الحياتية، ولذلك تجاوزت عن خبر حديث ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني عن الاعتراف بدولة فلسطينية، كاميرون يخدم وزيراً للخارجية بعد أن كان رئيساً للوزراء قبل سنوات، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ خمسين عاماً، والمفارقة، أن آرثر بلفور عاد وزيراً للخارجية بعد خدمته رئيساً للوزراء، فهل يكرر التاريخ نفسه بهذه الوقاحة.
يتحدث كاميرون عن الصورة التي يمكن أن تكون عليها الدولة الفلسطينية وليس التي لا يمكن أن تكون عليها، حديث دبلوماسي دائري في شكله، وفي جوهره يمنح كاميرون لنتنياهو طرف الخيط ليضع شروطه ويخلق حلقة مفرغة جديدة.
“أن يبدأ الحديث عن الصورة التي يمكن أن تكون عليها الدولة الفلسطينية وليس التي لا يمكن أن تكون عليها”
هكذا تحدث كاميرون! وآلا أونا، آلا دوي، آلا تري…
في حوض المتوسط يعدون في المزادات للثلاثة، وفي اليابان للثمانية، وفي هذا المزاد ربما الحاجة للعد للألف.

العد للألف عند الحديث عن الدولة الفلسطينية في هذه المرحلة ضروري، فهي دولة ستولد من مرحلة ملتهبة ومتقيحة وعفنة، دولة الهروب من أي استحقاق، امنحوهم الفتات مما تبقى، القرى المزدحمة مقطعة الأوصال، دولة الفصل العنصري بامتياز، السجون الصغيرة التي ترفع أعلاماً.
من يمتلك أن يرفض عرضاً لوقف الموت؟ ومن يمتلك الشجاعة للتفريط في حقوق ملايين اللاجئين؟
من يمتلك الشرعية ليفعل ذلك، من يمكنه أن ينتقل من باب إلى باب في قارات العالم كلها من أجل أن يجمع التوقيعات اللازمة لهذه الدولة؟ الدولة التي تبحث عن شرعيتها في كل مكان إلا بين الفلسطينيين أنفسهم، السلالة البشرية التي تعربش عليها الوجع، فأخذت تحدث نفسها، وتخادع حواسها، وتقف على حافة كل شيء، وتقول: هاي فلسطين يا بابا!

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.