skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
من يقبل الغراب الأبيض؟
pexels-sabine-fischer-19052546
جودية سامي
January 20, 2024
تعبيرية/ Photo by UX Gun on Unsplash
جودية سامي -

روت لي جدتي يوماً عن الغراب الذي صبغ نفسه باللون الأبيض ليصبح حمامة، ولكنه لم يستطع أن يقلد حركة الحمام، فرفضه المجتمع الذي استمات ليصبح جزءاً منه، وعندما أراد أن يعود إلى الغربان نقرته حتى الموت لأنه بلونه الأبيض الجديد لا يشبههم. أذكر هذا الغراب وأفكر في متملقي الغرب من أبناء جلدتنا، من يحاولون أن يكونوا “ملكيين أكثر من الملك” وأمريكيين أكثر من الأمريكيين. يستفزون ضحكة استهزاء صفراء كلما شهدت لقطة لأحدهم وهو يعزل نفسه عن هويته الجنوب عالمية ويتبنى مواقف مستعمري الأمس. لم تزل حية في الذاكرة مجاعة البنغال العظيمة، مذبحة جالنوالا، والصور المتعددة من الاستغلال الاقتصادي البشع الذي مارسته بريطانيا الاستعمارية تجاه الهند. صور نسيها تماماً ريشي سوناك وهو يهبط من طائرة عسكرية محملة بالدعم والتعاطف، محاولاً أن يثبت استحقاقه لموقعه المتقدم في الدولة الاستعمارية الأعرق. محاولة التبيّض هذه واجهتها صفعة المستعمر القديم. فمهما حاولت التبيض، أنت بنظرهم لست أبيضاً ولا جديراً بمعانقة أخوية!

لقطات عديدة لمتكلفي السلام الكاذب، وهم يحاولون التماهي مع السياسة الخارجية الأمريكية والبريطانية، التي تعتبر جدلية حتى في الداخل البريطاني والأمريكي. محاولة مستميتة للظهور بأبعد ما يمكن عن الهوية العربية، والتاريخ العربي وإرث الأزمات التي خلفها مستعمرو الأمس الذين أصبحوا أيقونات اليوم بالنسبة لهؤلاء المتكلفين. البعض يحاول أن يستغل الأزمة ليوجد لنفسه في مكاناً في المساحة الجدلية من الآراء، سواء في الإعلام أو في السياسة، ولكن هنالك عدد لا بأس به، من المتملقين الجادين الذي يعتقدون جازمين أن التماهي مع اللون الاستعماري سيكسبهم مقاعدهم الوثيرة إلى جانب قادة العالم كأنداد.

هي رسالة! هكذا يصف كاتب مقال الهجمات المحدودة التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف عسكرية في اليمن. يتحمس الكاتب للتحرك الامريطاني ويراه مبرراً للقضاء على جماعة “إرهابية”. ولا أحاول هنا أن أصنع تمثالاً يمجد جماعة الحوثي، فالانتهاكات التي يمارسونها تجاه المدنيين، تجنيد الأطفال والاعتقالات التعسفية والتعذيب وانتهاك حقوق النساء ماثلة للعيان. لكن لا يسعني إلا أن اتوقف مستغربة أمام هذا الاستنفار، غير المسبوق للتحالف. فها هو حزب الله منذ أواسط تشرين الأول في مناوشات لا تنفك على حدود دولة الاحتلال الشمالية. وها هي الميليشيات التابعة لإيران تكثف هجماتها على مواقع عسكرية أمريكية في العراق وسوريا، فلماذا لم نر أي استنفار حقيقي؟ هل حقاً تريد الولايات المتحدة أن تلقن جماعة الحوثي درساً في القانون الدولي؟

تملق السردية الغربية مزعج، فهو يسقط كل اعتبار للتاريخ والجغرافيا. يوصي الكاتب القوات الأمريطانية باجتثاث قيادات جماعة الحوثي واستئصالها والقضاء عليها، وأجد في ذلك سذاجة حقيقية. أمريكا التي اعتادت خوض الحروب بالوكالة، تترك الباب نصف مفتوح، لا تضع كل رهاناتها في خانة واحدة، وتحسب حساب النزول عن الشجرة. امريكا التي تنتظر في القريب انتخابات رئاسية، تريد أن تترك للساكن القادم في البيت الأبيض، مساحة مناورة تتيح له فتح قنوات التفاوض مع إيران كملف توازن في إدارة الشرق الأوسط. بالنسبة له القضاء تماماً على جماعة الحوثي خسارة تامة. لا يمانع توجيه “رسائل” لكنها ليست من النوع الذي يتوقعه صديقنا المتأمرك. الرسالة هنا، هي أننا لا نريد أن نحارب إيران، ولا نريد القضاء على وكلائها في المنطقة. جل ما تريده الولايات المتحدة هو إلقاء عظمة لتهدئة مراكز القوى الاقتصادية، التي تتأثر مباشرة بتعطيل حركة الملاحة، وذر الرماد لجمهور الناخبين الداعمين لإسرائيل، بأنها لا تتوانى في ضرب معاقل أعدائها. الرسالة الأمريكية مفادها، أننا نستطيع، لكننا لا نريد. لا نريد أن نخسر أوراق الرهان لأجل إسرائيل التي أصبحت تكلفة وعبئاً، ولا نريد أن نخسر موضع التفاوض مع إيران وماوراء إيران، لأن الأيام حبلى. الرسالة ليست على الإطلاق فركة أذن، وليست تسليماً بالانجرار إلى حرب إقليمية، وليست إعادة توزيع لأوراق اللعب، بحيث تصبح البحرين –التي شكرتها الولايات المتحدة على دعمها الضربات الموجهة لمواقع جماعة الحوثي- مركز قوة إقليمي. تدخل جراحي مدروس ومحسوب بدقة، يحفظ للمراكز الجيوسياسية وضعها المستقر، هذا هو فقط.

السؤال الأهم هو ما إذا كانت هذه الضربات ستوقف الحوثيين حقاً، وكيف سيتعامل التحالف ضد الحوثيين مع الفشل في تحقيق مهمة الردع المزعومة؟ جماعة تحملت عقدين من القتال وعشر سنوات من القصف من قبل السعودية وحلفائها، هل سيخضعون للضغوطات الأمريطانية؟ السوابق الإقليمية تشير إلى نمط من الفشل. في عام 2018، أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ما يزيد على 100 طائرة وصاروخ تجاه مواقع الحكومة السورية لردعها عن استخدام السلاح الكيماوي تجاه المدنيين، لم تفلح الهجمات في وقف القتال، ربما تسبب في فتور وتيرته وحسب، لكن جدوى التكلفة العسكرية لم تتحقق. لنكن واقعيين؛ من الصعب للغاية بل ربما من المستحيل هزيمة جهة فاعلة غير حكومية متجذرة بعمق في الجغرافيا ولديها قدرة وتمكن ومرونة وتتمتع بدعم شعبي إقليمياً. هذه الجماعة التي يريد الكاتب من التحالف سحق قياداتها كطريق مختصر للقضاء عليها، تحولت خلال عامين في طبيعة عملياتها نوعياً وكمياً، من مجرد اطلاق صواريخ كاتيوشا هائمة على وجهها لمدى لا يتجاوز العشرين ميلاً في 2014 إلى إطلاق صواريخ بالستية متوسطة المدى وصلت في 2016 إلى 600 ميل. إن أدق عمليات الجراحة العسكرية لن توصل التحالف إلى أي نتائج فعالة دون رديف دبلوماسي يمر من باب إيران. والحوثيون، إذا لم يحققوا شيئاً لغزة كما يعلنون، فهم على الأقل يعيدون بوصلة البيت الأبيض إلى حيث يجب أن تتوجه، وتعيد إلى المنطقة شيئاً من توازنها المرضي المزمن المستقر. قد لا يعجب الحوثي العنيف أصدقاءنا منافقي أمريكا من محبي السلام الإنتقائي الأبيض، لكن هذا الحوثي يقلق منام الرئيس الأمريكي الذي يلعب في الوقت بدل الضائع. ولا عزاء لمتملقي السيد الأبيض عندما تجلس القوى الإقليمية للتقاص وتصفية الحسابات العالقة.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.