skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

يمين متطرف أم لا إنسانيين؟
0807 OUKRIOTS riot lede
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
منطقة الاهتمام The Zone of Interest
Colette Bahna 2
كوليت بهنا
March 10, 2024
كوليت بهنا -

مازالت قصص الـ (هولوكست) مادة جذابة للعديد من مخرجي السينما العالميين، بحيث بات صعباً حصر عدد الأفلام الأميركية والأوربية والألمانية التي قدمت وعالجت العديد من هذه القصص وشكلت لصانعيها مفتاحاً ومدخلاً للجوائز العالمية، لما للـ(هولوكست) وقصص المحرقة النازية التي تشكل صفحة من صفحات العار في التاريخ الإنساني من تأثير تسعى إلى استمراره وبدعم لامحدود تسخى به المنظمات اليهودية وعموم اللوبي اليهودي العالمي.

أحدث الإنتاجات المتعلقة بـ(الهولوكست) والتي عالجت واحدة من قصصه برؤية جديدة لم يسبق أن طرحت بها، جاءت في فيلم (منطقة الاهتمام) الذي أطلق للعرض في فبراير 2024، كتبه وأخرجه البريطاني جوناثان غلازر مقتبساً قصته عن رواية حملت الاسم ذاته لمؤلفها مارتن آميس. وهو فيلم حظي بدرجات نقدية عالية على كثير من مواقع التقييم النقدي العالمي، ومرشح اليوم بقوة في فئة الفيلم الدولي ضمن منافسات جوائز الأوسكار التي ستعلن فجر يوم الاثنين 11 مارس الجاري.

برؤية خاصة موفقة في توظيفها، سيقسم المخرج فيلمه إلى قطعتين متصلتين ومتصاعدتين في الحدث، تتلخص أولهما بضابط نازي يقيم مع أسرته المكونة من خمس أطفال في فيلا كبيرة محاطة بحديقتين واسعتين أشبه ببستانين، زرعتا بالورود والعرائش وإنتاج العسل وأيضاً بالخضار الموسمية. تلاصق هذه الفيلا (الحائط على الحائط) معسكر ( أوشفتيز) أحد أشهر معسكرات الاعتقال النازية. بحيث سنتابع حياة العائلة في المنزل وما يحدث في المعسكر دون رؤيته من الداخل بصرياً(إلا فيما بعد في مشاهد تنظيف غرف المحرقة المؤثرة) والاكتفاء بسماع بعض أصوات الاستغاثة القادمة من وقت إلى آخر، وأيضاً رؤية دخان الحرائق المنبعث من الفوهات الكبيرة لمداخن الأفران، تاركاً للمشاهد أن يتخيل بنفسه ما يحدث من فظائع.

صاحب المنزل، الضابط النازي الذي يحمل اسم الزعيم النازي رودولف وتناديه زوجته بـ (رودي)، أحد المشاركين في هذه المحرقة، بل وبإنتهازيته وطموحه اللامحدود للسلطة، سيبدو من أكثر الضباط النازيين المتحمسين لحرق جميع اليهود وجلبهم بالآلاف من المجر وباقي الأراضي الأوربية. يعيش حياتاً رتيبة وهادئة مع أسرته مثل أي رب أسرة متفان لإسعادهم وتأمين حياة آمنة ومرفهة لأطفاله. يمارس عمله من داخل المنزل بشكل علني، لكنه في العمق يخفي بعداً آخراً لعمله وشخصيته، سيتكشف لاحقاً مع سياق الأحداث ويكشف عن قبو سري يصل بيته بالمعسكر، حيث يمارس قذاراته وخياناته، وحيث تجري عمليات الإعدام حرقاً الرهيبة.

فيما زوجته، التي تمارس وظيفتها كربة أسرة متفانية بالمثل لإسعاد أسرتها، ستكشف عن شخصيتها النازية في عمقها وإن بدت سيدة بسيطة في مظهرها، ليس بعدم اكتراثها بحدث المحرقة الرهيب الذي يجري ملاصقاً لجدران منزلها وغرف نوم أطفالها فقط، بل بتشجيعها لما يحدث كقصاص يجب أن يناله اليهود رغم توظيفها في منزلها لخادمة يهودية تهددها بحرقها بأسلوبية سلطوية تفصح عن تملكها لمصيرها، وأيضا بترحيبها باستعمال مقتنيات اليهود الثمينة التي صودرت منهم قبل الاعتقال، ودون أي شعور بالذنب أو الأسف.

الزوجة التي تعيش بسعادة مفرطة في هذا المنزل المليء بالورود النضرة وتعتبره الجنة (رغم أنه متاخم للجحيم) وتتشبث به وترفض مغادرته للحاق بعمل زوجها في مدينة جديدة، بل وتعتبر نفسها (ملكة أوشفيتز) كما يطلق عليها زوجها، هي في الواقع ابنة زمن النازية بامتياز، لكنها ستختلف حتماً عن أمها التي تزورها في البيت، وتبدي أسفاً وإن مبطنا نسبياً لمآل اليهود في المحرقة، سيدفعها لاحقاً بإنسانية وضمير معذب للهروب من منزل ابنتها، بحيث تعبر الأم عن الجيل الأكبر الذي تعايش سلمياً مع اليهود كمواطنين ألمان أصيلين لعقود طويلة، قبل مجيء زمن النازية الفاصل في التاريخ الألماني.

في هذا الفيلم الذي سترمي به طفلة الضابط التفاح أو (رمز السكر) لتسمين اليهود قبل حرقهم في المعسكر، وهي مشاهد مستلهمة من قصة (بيت الحلوى ) أو قصة (التوأمان هانسل وغريتل) المعروفة في التراث الأدبي الألماني، سيتعمد المخرج أن يصنع المشاهد الأولى برتابة شديدة بغرض إظهار المفارقة الكبرى بين حياة عائلية سعيدة وإن رتيبة تسير على قدم وساق موازية لمصائر متاخمة على بعد أمتار ستفنى عما قريب. وعند هذه النقطة تحديداً، يمكن ترجمة عنوان الفيلم (منطقة الاهتمام) وطرح الأسئلة الفلسفية النفسية العميقة عن الإنسانية ومدى اهتمامها بمصائر الآخرين وأيضاً مدى انتباهها لمعاني هذه الإنسانية التي يمكن أن تغيب بالمطلق دون أي اهتمام أو اكتراث بالأحداث المهولة التي تحدث حولها.

وهي أسئلة يمكن أن تعمم، بمعنى إن نحّينا جانباً موضوعة الفيلم هنا التي تتحدث عن (الهولوكست)، يمكن تطبيق هذه الأسئلة على العالم وأفراده جمعاء، ومقياس مدى اهتمامهم بما يحدث من أهوال متاخماً لبيوتهم، أو في المناطق القريبة لسكنهم، أو الدول المجاورة، أو عبر العالم. وكيف يمكن للإنسان أن يأكل ويشرب ويلهو وينام باطمئنان فيما جاره يحترق أو يذبح أو يتعذب أو يعاني أي من أشكال المعاناة؟ هل يهتم رغم أنه يعيش الحدث ويسمعه ويراه أحياناً؟ هل يبدي تعاطفاً مع آلام الآخرين أم يشجع على حدوثها؟. السؤال والجواب في عهدة البشرية عن هذه المنطقة الفاصلة داخل النفس البشرية بين إنسانيتها، وآثام لا إنسانيتها، بين أن تكون أو لا تكون.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.