إقرأ أيضاً
من اللافت في المواجهات الدائرة حاليا بين إسرائيل وحركة حماس أن العواصم الغربية في غالبيتها اصطفت إلى جانب اسرائيل. بل أكثر من ذلك فإن بعض هذه العواصم أخذت مواقف حادة وغير معتادة ضد حماس.
وهو الأمر الذي كان مثار استغراب العديد من المتابعين العرب والفلسطينيين الذين لاحظوا في السنوات الاخيرة ميلا واضحا نحو القضية الفلسطينية في العديد من الأوساط الغربية، فكان هذا التحول بمثابة مسح سريع وغير متوقع لتلك المواقف.
بالطبع تساءل الكثيرون عن أسباب هذا التحول وما إذا كان يعني أن الغرب يدير ظهره فعليا للفلسطينيين، أو أنه ربما اكتشف شيئا لم يكن على علم به وهو الذي أدى الى كل هذا السيل من التأييد لإسرائيل!
للأسف كثيرون لا يدركون حجم التأثير المدمر للأعمال الوحشية التي ارتكبها مسلحو حماس في المناطق والكيبوتسات الإسرائيلية التي اقتحموها يوم السابع من أكتوبر الجاري.
الأمر هنا ليس سياسيا أو حتى عسكريا، فهذا يمكن للمسؤولين الغربيين وحتى المحللين السياسيين أن يفهموه. ففي ظل الصراع الدائر منذ مائة عام تقريبا بين اليهود والعرب في هذه المنطقة ثم بين إسرائيل ومحيطها الفلسطيني والعربي حدثت أشياء كثيرة بينها أعمال قصف وقتل وتفجيرات واغتيالات وخطف وما الى ذلك مما يدخل في نطاق المواجهات والعمليات التي تحدث خلال النزاعات المسلحة.
ولكن ما روّع العالم حقيقة هو اقتحام مساكن المدنيين الإسرائيليين من دون مبرر أو مقدمات وإعمال القتل فيهم واختطاف بعضهم وجرهم إلى غزة.
وعلى سبيل المثال لا أحد حتى اليوم يستطيع أن يفهم لماذا قتل مسلحو حماس رواد الحفل الموسيقي في صحراء النقب والذين بلغ عددهم أكثر من 260 شاب وشابة كانوا يحضرون هذا الحفل، وبينهم العديد من الأجانب. وقد قتل عدد من هؤلاء في سياراتهم وبعضهم أثناء فرارهم وآخرون جرى اختطافهم.
أقول إن الكثير من المتابعين العرب يستغربون ردود فعل الأوساط الغربية على هذه الأعمال، لأنه ببساطة هذه الأخبار أو بالأحرى تفاصيل ما فعلته حماس لا يذكر أو ينشر أو يذاع في وسائل الإعلام العربية، ولكنه منتشر في وسائل الإعلام الناطقة باللغات الاجنبية وكذلك في وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الفجوة بين ما تنشره وساءل الاعلام الغربية وما تنشره العربية هو سبب هذه الدهشة لتغير المواقف الغربية من النزاع الفلسطيني الاسرائيلي بسبب الأعمال الوحشية لحماس.
لو أتيحت للمشاهد العربي أن يطلع على ذلك لربما غير هو نفسه أيضا موقفه من حركة حماس ولسعى إلى التفريق بينها وبين القضية الفلسطينية التي هي قضية عادلة وتستحق التعاطف والوقوف إلى جانبها.
الواقع أن ما قامت به حماس وإن كان لا يبرر تماما ما تقوم به إسرائيل حاليا في غزة، إلا أنه من نفس جنس أو صنف هذه الأعمال. وما دام مسلحو حماس يختبئون في غزة بين السكان المدنيين فإن أي محاولة لاستهدافهم لا بد أن ينتج عنها خسائر في أوساط المدنيين.
ولأن الطبقة السياسية الإسرائيلية وكذلك الرأي العام الإسرائيلي لا يرضى بعد كل ما حدث بأقل من القضاء على حماس فإن من المتوقع أن يشهد القطاع ويلات ومآسي غير مسبوقة.
هل سوف يتغير الرأي العام في الغرب بنتيجة ذلك؟ ربما، ولكن حتى الآن لا تزال العديد من العواصم الغربية واقعة تحت تأثير صدمة الأعمال الوحشية التي قامت بها حركة حماس. ويبدوا أن ذلك قد يطول.
يجب ألا ننسى كذلك أن معظم هذه العواصم تصنف حماس على أنها حركة إرهابية وبالتالي مادام العنوان الرئيسي للعمليات الإسرائيلية الحالية هو القضاء على حماس فان الدول الغربية سوف تساعد إسرائيل في تحقيق هذا الهدف سواء عبر تقديم الدعم المباشر (العسكري والمالي والسياسي) أو حظر الأنشطة والتظاهرات المؤيدة لحماس على أراضيها.
والواقع أن الكثيرين يفهمون معاناة الفلسطينيين مع هذا الواقع المعقد، فهم واقعون بين مطرقة إسرائيل وسندان حماس، ولكن في نهاية اليوم من الصعب إقناع العالم بعدالة قضيتهم من خلال أعمال العنف، والأصعب أن تكون المتصدرة للدفاع عن القضية الفلسطينية جماعة يراها معظم العالم بأنها إرهابية. والأكثر صعوبة أن تكون الراعية الأساسية لتلك الجماعة هي إيران ومحور الشر التابع لها.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.