skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
قُم للمعلم.. فيلم The Holdovers
Colette Bahna 2
كوليت بهنا
January 10, 2024
كوليت بهنا -

يكاد لايخلو حديث أو حوار عن شؤون الحياة اليوم، إلا وينتهي بخلاصة ترتبط بالتدهور الأخلاقي العام الناجم عن تفاقم الفساد والأزمات الاقتصادية والمعيشية، والتي أفضت كمسببات إلى نشوء أزمات أكثر تغولاً وشمولية، ثقافية وفكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، تتجلى على مدار الساعة عبر ممارسات بغيضة مثل العنصرية وكراهية الآخر والعنف المجتمعي.

هل الأخلاق فردية أم أن الفرد هو جزء من منظومة أخلاقية مجتمعية؟؟ سؤال يفضي بالـتأكيد إلى الفردانية في هذا الزمن، ويفضي أيضاً إلى الثمن الذي يمكن أن يدفعه المرء جراء تشبثه بالبدهيات الأخلاقية التي لامساومة أو جدال حولها، أي أن تكون أخلاقياً أو لاتكون، وتلك هي المعضلة.

حول موضوعة الأخلاق بشكل عام، يتمحور فيلم (ذا هولد أوفرز) وبترجمة عنوانه للعربية (المحتفظ بهم). وهو فيلم من إنتاج 2023 أطلق للعرض الجماهيري نهاية أكتوبر الفائت من إخراج ألكسندر بايني وبطولة بول جياماتي بدور مدرس التاريخ بول، ودافين جوي راندولف بدور مدبّرة المدرسة ماري والمرشحة بقوة لدور أفضل ممثلة بدور مساعد، ودومينيك سيسا بدور الطالب تولي. أضف إلى أنه الفيلم الأكثر إشادة من النقاد والأكثر حديثاً حول حظوظه القوية ضمن قائمة الترشيحات لأوسكار 2024 بدورته 96 القادمة.

شتاء 1970 زمن الفيلم، ومع اقتراب عطلتي عيد الميلاد ورأس السنة التي يغادر فيها طلاب المدارس الخاصة لقضاء الاجازة مع أهاليهم، تقرر إدارة مدرسة بريتون الخاصة والمعروفة بكونها مدرسة لأبناء الأثرياء، إبقاء عدد من الطلاب خلال العطلة بناء على طلب من أهاليهم، على أن يشرف عليهم المدرس بول أستاذ التاريخ، الذي يكرهونه كراهية شديدة، وبدوره يبادلهم هذه الكراهية. تتغير قرارات بعض الأهالي ويأخذون أولادهم قبل الميلاد، باستثناء الطالب تولي الذي سيجد نفسه وحيداً ووجهاً لوجه مع مدرسه بول الذي يكرهه، وبوجود مدبرة المدرسة ماري المكلومة بسبب فقدها لولدها في حرب فيتنام.

من المعروف أن عطلة الميلاد مناسبة خاصة للغاية ترتفع خلالها الأحاسيس والمشاعر العائلية والحميمية. لكنها حين تتحول إلى عطلة سيتم قضاء الوقت فيها، وسط حصار كامل ومراقبة على مدار الساعة، مع إنسان آخر تكرهه، يمكن اعتبارها أيام سوداء يمكن أن تفرز أسوأ المشاعر والسلوكيات. وفي الوقت ذاته، قد يشكل مثل هذا الحصار لهؤلاء الأفراد (المحتفظ بهم) فرصة تصادم وحيدة، إما أن تكون إيجابية وتنجح أو خاسرة إلى الأبد.

لكنها ستنجح وبقوة، ليس بفعل الحظ، بل لأسباب جوهرية ترتبط ببنية وكيان مدرس مادة التاريخ بول، الذي ستلعب موضوعة الأخلاق هنا دورها الحاسم في كسر الجليد وإشاعة الدفء النفسي والروحي لدى طالبه تولي، عبر بناء جسور غير مفتعلة من الود معه، وعبر التخفيف الذاتي من حدة القوانين والانضباط والتقرب من عمر الطالب المراهق وعوالمه وتفهم جيله واحتياجاته، وبمساعدة   شفافة وأنثوية خالصة من قبل المدبرة ماري، وإشاعتها لأجواء الأمومة التي ستغمر بها الطالب الوحيد والمدرس بول معاً.

الطالب تولي، ابن أحد أثرى الأثرياء، الذي سيكشف عن خوائه الروحي بسبب أمه التي أودعت أبيه الحقيقي في مصح نفسي وتقسو بحدة على ولدها لأجل أنانيتها ومصالحها، سيكتشف خلال هذه الرحلة القصيرة من الاحتجاز، معنى الحياة وعوالم الآخرين، معنى الحب المختبئ في حنايا نفوس بعض من تبتعد عنهم بلا مبرر أو تتخذ منهم مواقف مسبقة أو حتى تكرههم لأسباب غير موضوعية، وستصير رؤيته للمدرسة بعد هذه التجربة، تختلف عما سبقها جذرياً، حيث ستستعيد المدرسة مكانتها كصرح أساسي لبناء الأنفس وليس لهدمها.

لكن هذا لن يشمل مدرس التاريخ بول الذي ستخنع إدارة مدرسته لهيمنة المال وسطوته، ووحده من سيدفع الثمن الباهظ نتيجة لهذه التجربة. لكنه، ورغم فداحة الثمن، سيخرج مزهواً رافعاً رأسه، مؤمناً بدوره كمدرس للتاريخ، بما يعنيه التاريخ له كدروس مستفادة في الواقع، وأيضاً منتشياً بنزاهته وإنسانيته وأخلاقه الفردية، معيداً لمعنى المعلم قيمته العليا، ومعيداً في الوقت ذاته الاحترام والتبجيل لرسالة التعليم النبيلة كما يفترض، وتأثيرها المستدام في بناء شخصية الأجيال وثقتهم في الحياة.

(المحتفظ بهم)، فيلم بديع في تفاصيله وبنائه، مفعم بالمشاعر الإنسانية والأخلاقية، من الواضح أن الإشادة النقدية الكبيرة التي حظي بها لم تأت من فراغ، بل من حاجة مجتمعية ماسّة، أميركية وعالمية، إلى هذه النوعية من الأفلام التي يمكن أن تلعب بعض الأثر في إعادة النظر في العملية التعليمية، والتي يفترض أن تكون الأخلاق هي المؤسس والقاعدة العريضة لها، ففي المحصلة، الأخلاق ليست درساً عابراً، بل هي منهج حياتي يؤسس أولاً وأخيراً في صفوف التعليم والتعلم.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.