skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
في رحلة البحث عن منبر لحرية الفكر والمعتقد
Emad
د. عماد بوظو
October 11, 2023
Suzy Hazelwood @pexels
Suzy Hazelwood @pexels
د. عماد بوظو -

تُصنّف أغلب دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية كواحدة من أكثر الأماكن تضييقاً على حرية الفكر والمُعتقد، وهذا أمر طبيعي نتيجة إجتماع الإستبداد السياسي والتشدّد الديني والتزمّت المجتمعي، والذي إنعكس في سيطرة مفاهيم تقوم على قائمة طويلة من المُسلّمات السياسية والإجتماعية والثقافية التي يُحظّر التشكيك في صحتها أو حتى مناقشتها، ومن الطبيعي أنهً في بيئة مثل هذه ليس من السهل وجود منابر تسمح لأصحاب التفكير المختلف بالتعبير عن آرائهم. 

وفوق ذلك فقد تطوّرت خلال السنوات الأخيرة خبرة أنظمة هذه المنطقة في كمّ الأفواه وعدم السماح بوجود منابر لأصحاب الآراء التي لا تتناسب معها عبر الترغيب أحيانا وعبر الترهيب في أغلب الأحيان، كما إمتدت ذراع بعض هذه الأنظمة خارج حدودها لتطال مُعارضيها أينما كانوا، ولم تسلم وسائل التواصل الإجتماعي من تدخّل ورقابة هذه الحكومات حتى يبدو اليوم وكأن الأنظمة قد نجحت في تشكيل تيّار ثقافي مُرتبط بها يروّج لعدم جاهزية شعوب هذه المنطقة للديمقراطية، بل يتم إنتقاد الديمقراطية وتصويرها كمنتج غربي لا يتناسب مع جميع الشعوب، رغم حقيقة أن دول كثيرة في آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء تسير منذ سنوات بثبات نحو التحوّل الديمقراطي.  

كما لا يقتصر رفض الرأي المختلف في هذه المجتمعات على الأنظمة، بل يمتد ليشمل شرائح واسعة من السياسيين والمثقفين، فمثلا عند الحديث عن موضوع السلام مع إسرائيل تبرُز كذلك ظاهرة عدم القبول بوجود آراء لا تتفق مع الخطاب السائد منذ عقود والذي يقوم على عدم الإعتراف بدولة إسرائيل وحتى رفض مجرد ذكر إسمها والإستعاضة عنه بتسمية يعتبرونها شتيمة هي “الكيان الصهيوني”، رغم محاولة بعضهم الإدّعاء بعكس ذلك في الخطابات الموجهة للعالم الخارجي. 

وفي هذا الموضوع تتم مُهاجمة أصحاب الرأي المختلف بجمل طنّانة مثل “الخيانة ليست وجهة نظر” كما يتم الترويج لحروب لا نهاية لها بجمل حماسيّة أخرى مثل “نموت نموت ويحيى الوطن” وتستقبل الجماهير والحشود هذه العبارات بالهتافات والتصفيق الحاد، وهذا غير مستغرب في مجتمعات عاطفية تلتهب مشاعرها بوعود النصر القريب حتى لو تكرّرت هذه الوعود  لعشرات السنين دون أن يتحقّق منها شيء، وفي المقابل يتم النظر بعين الشك إلى التحليلات الهادئة والرصينة وإلى المفاهيم السائدة في عالم اليوم التي ترفض الموت العبثي وتضع حياة المواطن الفرد وسعادته فوق كل إعتبار. 

وقبل نصف قرن لفت المُفكّر السعودي عبد الله القصيمي النظر إلى أن هذه الشعوب تعيش في عالم يقدّس العبارات الحماسية والشعارات في كتابه “العرب ظاهرة صوتيّة” قال فيه “أُطالب أن يُكتب على غلاف كل كتاب عربي وفي الصفحة الأولى من كل صحيفة هذا الهتاف: أيها الكذب البليد أيها النفاق الفضّاح والمفضوح أيها الصهيل العقيم إن كل المجد والسلطان لك”. 

ويسحب رفض الفكر المختلف على موضوع تجديد الفكر الديني أو إعادة النظر في بعض ما ورد في كتب التُراث، ونتيجة “القداسة” التي تُحيط بهذا الموضوع يتم إتهام الداعين إليه بالكُفر مع ما يعنيه ذلك من خطورة على حياتهم، رغم أن الكثير من الموروثات الدينية لم يعد صالحاً في عالم اليوم بل تمّ فعلاً إلغاء بعضها مثل العبودية والجواري والحُدود وزواج الطفلات، لكن ليس نتيجة حركة إصلاح ديني داخلي بل بفضل ضغوط المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان، ويبدو أنه ونتيجة لنفس الضغوط ستتم إعادة النظر عاجلاً أو آجلاً بقوامة الرجل على المرأة وتعدّد الزوجات وقوانين الإرث وغيرها. 

ويستمر رفض الفكر المختلف في عدم القبول بأي دعوة لتحرير المرأة إعتماداً على ثقافة إنتشرت خلال العقود الأخيرة تقوم على هوس مرضي بكل ما له علاقة بالمرأة من مظهرها وملابسها حتى أبسط تصرّفاتها، وعلى ربط مفهوم الشرف بجسد المرأة، ومع التأثير السحري لكلمة شرف على عقول الذين يعيشون في عالم الشعارات زاد التضييق على المرأة خلال السنوات الماضية وإستفحلت بشكل غير مسبوق جرائم قتل النساء لأتفه الأسباب. 

كذلك إختارت هذه المجتمعات أن تتعامل مع المثليّة الجنسية بالطريقة التي تبرع فيها وهي الخطابات والشعارات، إذ لا حاجة للتأكيد على أن تجريم العلاقات المثلية موجودة طوال التاريخ البشري وفي مختلف المجتمعات، وإذا إفترضنا أن هناك تفاوتاً في إنتشار الميول المثليّة بين مجتمع وآخر فالمُتوقّع أن ترتفع نسبتها في المجتمعات المُغلقة التي تمنع الإختلاط بين الجنسين مثل مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى نفس الطريقة يتم التعامل مع الدعارة، وهي كذلك موجودة في كافة المجتمعات ويزداد وجودها كلما زادت نسبة الفقر كما هو حال كثير من بلدان نفس المنطقة، ولا يؤدّي تجاهلها إلّا إلى انعدام الرقابة عليها مع ما يحمله ذلك من مخاطر صحيّة وإنتشار دعارة الأطفال والسياحة الجنسية. 

وأمام حقيقة أن مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تختلف عن بقية البشرية لم تجد هذه المجتمعات أمامها سوى العيش في حالة إنكار أو إعتبار هذه الظواهر غريبة عن المجتمعات المحلية “التقيّة والطهرانية” وأتتها من الخارج رغم معرفة الجميع بزيف هذه الإدّعاءات، بينما لو توفّرت الشجاعة عند حكومات هذه الدول لسمحت بإجراء دراسات وإحصائيات ذات مصداقية لكل الظواهر المرتبطة بالجنس تؤدّي لمعرفة الحجم الحقيقي للعلاقات المثلية والدعارة في هذه المجتمعات كما تفعل أغلب دول العالم. 

ليس سهلاً على الأجيال الحالية التي لم تعرف سوى المجتمعات في واقعها الراهن التي يُهيمن عليها التشدّد الديني والتزمّت المجتمعي أن تتصوّر أن هذه المنطقة لم تكن على هذا الحال قبل بضعة عقود، فمثلا في مصر البلد الذي يُحاكم فيه اليوم من يوجّه أبسط إنتقاد للفكر الديني السائد والذي تُسجن فيه المرأة بسبب ثوب إرتدته أو كلمة قالتها، كان هناك حتى ستينات القرن الماضي مقابر تُدعى جبّانات أحرار العقيدة يوصي من لا يؤمنون بأي دين بأن يُدفنوا فيها، بما يوضّح إلى أي درجة كان الإنسان حُرّاً في الجهر بآرائه حتى لو إختلفت مع المعتقدات السائدة. 

وكذلك من الممكن مشاهدة تسجيلات وصور من الحياة قبل عدة عقود والتي توضّح أن المرأة كانت تعيش في عالم مختلف تماماً عن حياتها في هذه الأيام، وأن هامش حُريتها الشخصية وقتها لم يكن مختلفاً عن بقية نساء العالم، ولكن في الوقت الذي سارت فيه أغلب شعوب العالم نحو التطوّر والإنفتاح وتقبُّل تعدّد الآراء والمعتقدات إرتدّت هذه المنطقة نحو التزمّت والإنغلاق. 

هذه بعض المواضيع الشائكة التي لابدّ من طرحها للنقاش بكل حرية ممّا قد يُساعد في البحث عن مخرج لشعوب هذه المنطقة من الواقع البائس الذي تعيشه على جميع المستويات، وفي محاولة لإيجاد حلول لأزماتها الكبيرة التي لا تنتهي بهدف اللحاق ببقية العالم. 

وفي النهاية كلّنا أمل أن تتيح مُبادرة الصديق العزيز الباحث والإعلامي مالك عثامنة في تأسيس منصّة “نقطة ومن أول السطر” مجالاً للأفكار المُختلفة حتى وإن تناولت ما يُعتبر في هذه المجتمعات من المحرّمات أو المحظورات، وهناك أسباب تدعو للتفاؤل منها أن الكُتّاب المُشتركين في هذا المشروع زملاء عملوا معاً لسنوات في موقع “من زاوية أُخرى” على قناة الحُرّة في واشنطن والذي تميّز بهامش واسع من الحرية وساهمت الكثير من مقالاته في تحريك المياه الراكدة في أكثر من مجال، وهنا لابدّ من الإعتراف بفضل السفير ألبرتو فرنانديز ليس فقط بسبب إنشاء هذا المنبر الحر بل لأنه أيضاً أتاح فرصة للتعارف بين مثقفين وكتاب وباحثين وناشطين ينتمون لأغلب الدول الناطقة باللغة العربية من العراق حتى المغرب. 

وكما هو متوقّع لم يعجب هامش الحرية الواسع الذي أتاحته وقتها قناة الحرة كثيرين، فقد تعرّض هذا الموقع للهجوم من أطراف عديدة وبأساليب مختلفة وأخذ منحى عنيف ودموي في إغتيال الصديق الباحث هشام الهاشمي في بغداد عام 2020 والذي كان يدرك خطورة أن تكون مختلفاً في مجتمعات اللون الواحد حين قال “الموت هو مصيرنا، وإن من يتوهّم أنه سينجو إنما يمارس نكراناً لأن القتل ليس بالضرورة رصاصات تفرغ بالرأس بل نجاح القاتل في تعطيل السياسي الذي فيك مما يجعلك كائناً فارغاً بلا أحلام أو طموحات وقيم”، وبعد سنة في عام 2021 تمّ إغتيال الكاتب والسياسي والصديق لقمان سليم في لبنان والذي فشل القتلة في إخافته حتى عندما كتبوا على جدران منزله “المجد لكاتم الصوت” العبارة التي تعكس جبنهم وعجزهم عن مواجهة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة، إلى أن تمّ إغلاق هذا الموقع في شهر فبراير الماضي، وسنحاول اليوم أن نتابع عبر منصّة “نقطة ومن أول السطر” ما بدأناه في “من زاوية أخرى” رغم معرفتنا بأن الطريق لن يكون سهلاً لكننا سنبقى محكومين بالأمل. 

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.