إقرأ أيضاً
لم يحدث أن رئيس دولة أو حكومة أو وزير كان حريصا على تجسيد التعريف التاريخي للخبر الذي وضعه اللورد نورثكليف مؤسس صحيفة “ديلي ميل” لأن وظيفتهم وجدت بالأساس لإخفاء الأخبار عن الجمهور وترويج الإعلانات المجردة، فالخبر وفق التعريف التاريخي “معلومات يريد أحدهم منع الناس من معرفتها”، واليوم ينظم إلى هؤلاء الذين يريدون منعم الناس من معرفة المعلومات الثري إيلون ماسك بوظيفته الحكومية في الإدارة الأمريكية أحد المخلصين الجدد للرئيس دونالد ترامب.
هذا يعني أنه سيكون المعبر المثالي لفلسفة ترامب الذي يعمل على شيطنة الصحافة واعتبارها مجرد أخبار زائفة.
لكن ماذا عن منصة أكس التي كانت في يوم ما سوقا مثالية لتبادل المعلومات؟
كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الأيام الذهبية لتويتر عندما كان بإمكان الناشطين والفنانين والمحامين والأكاديميين وصناع السياسات والصحافيين والمتخصصين من كل ذوق التواصل وتبادل المعلومات وتبادل الأفكار ومتابعة الأحداث في الوقت الفعلي.
وعندما أصبحت المنصة بعهدة ماسك، كُتب لها عشرات من شهادات الوفاة مباشرة بعد تحويلها إلى “أكس”. واليوم سنحصل على المزيد من شهادات الوفاة السياسية بمجرد أن يضع ماسك قدمه الأولى في مكتبه الحكومي بإدارة ترامب.
لقد حول ماسك كأغنى رجل في العالم، منصة “أكس” إلى “حنجرة عميقة” ومكبر صوت للتعبير عن ترامب والعمل على وصوله إلى البيت الأبيض، الأمر الذي دفع ترامب إلى أن ينيط به وزارة الكفاءة الحكومة الجديدة “Doge”، وهي عبارة عن تلاعب بالألفاظ مأخوذة من صورة الكلب والعملة المشفرة “Dogecoin” والتي بدأت كمزحة من قبل مبتكريها، إلى أن قفزت قيمتها بعد أن أطلق عليها ماسك “عملة الشعب” في عام 2021.
الآن يجلس ماسك في قلب الحكومة الأمريكية، ومع ذلك لا يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ على أفعاله ويمكنه الاستمرار في العمل في القطاع الخاص. يُسمح له بالاحتفاظ بمنصة “أكس” ومتابعيه البالغ عددهم 204 ملايين، بالإضافة إلى رئاسة شركة السيارات الكهربائية “تيسلا” وشركة الصواريخ “سبيس أكس” وهكذا للمرة الأولى في التاريخ، يقوم ملياردير كبير في مجال التكنولوجيا بتشكيل الديمقراطية بشكل مباشر والسيطرة على حرية التعبير، من خلال وسائل الإعلام الخاصة به.
مهلا! دعونا نتذكر تصريحات ماسك السابقة بشأن ترامب، علنا نفهم “الزبائنية السياسية” عندما تتحول إلى عملة مشفرة يتم التحكم بها من قبل أصحاب الثراء الفاحش، وما يتعلق منها بحرية تبادل المعلومات، عندما يراد كسر الصحافة المستقلة وسحقها. فالعلاقة بين أكبر شخصين في العالم لا تعود بالنفع على أي منهما إلا إذا كان الرجلان المتعطشان للسلطة والمتسرعان يتعاملان بلطف تجاري.
في عام 2022، غرد ماسك قائلا “لكي يستحق تويتر ثقة الجمهور، يجب أن يكون محايدا سياسيا، وهذا يعني فعليا إزعاج أقصى اليمين وأقصى اليسار على حد سواء”. كما غرد قائلا “سيكون عمر ترامب 82 عاما في نهاية ولايته، وهو عمر كبير جدا ليكون رئيسا تنفيذيا لأي شيء، ناهيك عن الولايات المتحدة الأمريكية”.
وبعد أشهر، عندما اشترى ماسك تويتر مقابل 44 مليار دولار، طرد المشرفين على المحتوى وفرض رسوما مقابل التحقق من الحسابات، وهو ما يعني أن الناس يمكنهم شراء النفوذ. وتمت إعادة تسمية تويتر إلى أكس، وتخلص من ملايين المستخدمين وأعاد حساب ترامب الذي تم تعليقه بعد تمرد البيت الأبيض في 2021.
غادر كبار الكتاب المنصة لأنها لم تعد مقبولة بالنسبة لهم، بعد أن أصبحت سامة، الأمر الذي جعل مارك كاريجان، مؤلف كتاب “وسائل التواصل الاجتماعي للأكاديميين”، أن يتوقع دمج منصة “”Truth Social التي أنشأها ترامب مع منصة “أكس”.
فإذا حدث ذلك، فمن الذي ستكون له الأولوية؟ كذلك تتساءل صحيفة أوبزيرفر البريطانية، هل يكبت ماسك الانتقادات الموجهة للحكومات الاستبدادية التي يتعامل معها، أم يروج لها؟ وفي البرنامج السياسي والاعلامي الذي يتناول دونالد وإيلون، من هو الدمية ومن هو الذي سينفق ويجني المال؟
“إذا حدث ذلك، فسوف يكون بمثابة آلة التضخيم النهائية لأفكار ترامب، تطبيق سياسي خارق متنكّر في هيئة وسائل التواصل الاجتماعي”، كما قال جيمس كيركهام المتخصص بطبيعة العلامات التجارية الذي طالبنا بأن ننسى بقية المنصات الاجتماعية والشبكات الفضائية الكبرى؛ فقد يكون القلب الحقيقي للاستراتيجية الرقمية للحزب الجمهوري هو منصة إكس.
مع ذلك لا أحد سيعرف ماذا سيحصل لمنصة أكس، بمجرد أن ندرك أن الغرائزية الشخصية في طريقة تفكير الرجلين ماسك وترامب لأنهما يجسدان الحقيقة القبيحة في العصر الرقمي!
فالأول مصاب بحس الفكاهة الصبياني لديه، وتصيده الدعائي السخيف، وحربه الساذجة على وسائل الإعلام القديمة، ونهجه السهل في التعامل مع حرية التعبير في بيئة الإنترنت.
أما ترامب فلا يريد مغادرة التعريف المثالي له بوصفه الميكروفون الأقوى في العالم سواء كان يتربع على عرش البيت الأبيض أم خارجه.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.