skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عن السفر الذي لا ينتهي أبداً
WhatsApp Image 2023-11-03 at 15.25.09
هاني نديم
January 26, 2024
تعبيرية/ Photo by Nick Fewings on Unsplash
هاني نديم -

يبدأ الغياب والسفر بخطواتٍ وجلةٍ ومترددةٍ تماما كخطوات الصبي أول مرة من حضن إمه إلى مدرسته الأولى.. تبدأ تلك الخطوات قصيرة ومرتجفة ولكنها سرعان ما تصبح أوسع من المطارح ويصبح الغياب وحشاً يبتلع الزمان والمكان والناس..

وما إن تخرج من باب دارك وتغيب، فانت لا تعود إليه أبداً رغم عشرات العود والإياب! وقد قدّر العرب الغياب بغيبة صغرى وهي أربعون يوماً، وغيبة كبرى، وهي حول وما بعدها رحيل وهجر..

نعم، حتى وإن عدت بعد غياباتك فأنت لا تعود أبداً، السفر حلزوني الديمومة والاستمرار، وهو متاهة لا يمكن حفظ زواريبها، وأفعوان من العدم بصل إلى العدم.

ولكن في كل هذا الزوغان والضباب والتيه العظيم، وفي تلك الشكوكية والحيرة والـ لا، والـ نعم. لا تذهب الروائح ولا تغيب، تظل ماكثة راسخة، وإن توارت وراء روائح المكان الجديد، لكن أغنية واحدة قد تذرفها جميعاً.. ما زلت حتى اليوم أشم رائحة “مخدّتي” الأولى ولو كنت في آخر الأرض، ورائحة الشيح في جرودنا بعد ليلة ماطرة، ورائحة الأهل بكل حذافيرها.

منذ ثلاثين عاماً؛ أطير من مكان إلى مكان إلى مكان، يبدو هذا لطيفاً، لكنه لاحقاً يتحول إلى كابوس كما أسلفنا، لقد سافر العمر ونحن من سفر إلى آخر، وهذه معضلة أخرى، وأعني الزمن، الزمن في الحل غيره في الترحال، الزمن وأنت في الجو تعبر المحيط بين قارتين، زمن مثبّت كقطعة “الجميد” التي تنتظر طبخة ما! تنزلق السنوات من تحت الطائرة، فيرتفع آجار البيوت وقيمة العقارات، ويهوي سهم الشركة التي تراهن عليه، كما يموت آباؤنا وأمهاتنا ويشيخ أصدقاؤنا وهم يلهون بأطراف الحكايا على مصاطب القرية.

رمال متحركة لا ينفع معها زيادة الحركة وتوترها، ستغرق أكثر، اهدأ، سترى كل الوجوه وتظن أنها تخفي طوق نجاتك وراء ظهرها، ستسير نحو وجوه أخرى لأنك تقول لنفسك: حسنٌ حياتي قرب هذه الأرواح أفضل وأسهل، أو لعلها تخبرني ماذا عليّ أن أفعل في هذا التيه..

في تلك الآونة، يكون باب بيتك الأول بحاجة إلى طلاء ومزلاج، فقد صدئ القديم وبهت لون الضيوف..

وأنت تبتسم لفتاة تجر كلبها الغلودن روتريفر، ستنبح عليك كلاب القرية، لن تسمعها ولكن ستشم رائحة الأقمشة المحروقة في قدور القرباط!

كلما ذكرت السفر ألحّ عليّ مقطع كتبته منذ زمن قديم: “وأنت تحسب نفسك صابراً يكون الحزنُ قد أنشب مبضعه في خَدَرك وأطعم قلبك للكلاب.. سيأكلك الأسى كما أكل النملُ عصا سليمان ويكلمك الناسُ وأنت ميْت”.

في المدن الكبرى، وبينما تفكر بانك مختلف واستثنائي، تنظر حولك فترى أنك تعبر الشارع مع الملايين مثلك، آلاف الأشباح بربطات عنق لامعة وساعات رولكس صينية مقلدة، تركضون بين الشركات المتوحشة جميعها مثلنا، هذا غياب آخر لا دين له.

جاء في منهج البابية التي بدأها الباب الشيرازي أن المرء عليه أن يجتاز صحراء الحيرة الطويلة الموحشة ويعبرها كسفر ليصل إلى البغية والغاية، وأن بعض الموغلين في حبّ السفر يفضلّون التنزه في “الحيرة” فتضربهم رياحها من كل صوب، الشكوكيون الذين يفضلون أن لا يرتطموا بحقيقة واضحة جلية، المسافرون للسفر لأجل السفر لا من أجل الوصول يحلو لهم المقام في وادي الحيرة حتى قيل: “رب زدني فيك تحيرا” ويقولون: (الله أكبر من عظمة هذا الوادِ ومن وسعة هذه المدينة في جبروت الإيجاد، كأنّك لن تجد له من أوّلٍ ولا من آخِر، فَبُشْرَى ثمّ بُشْرَى لمن كَمُلَ فيها سَفَرُهُ، وأيّده الله على طيّ هذه الأرض). ولك أن تتخيل ماذا يسمّون الوصول بعد انتهاء وادي الحيرة. يسمونه: مدينة الفناء!

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.