إقرأ أيضاً
يكاد لا يمضي أسبوع أو شهر من الزمن، إلا ويحدث حدث ما في هذه المنطقة الجغرافية التي لا تهدأ أرضها وبحرها وسماؤها، والمسماة بالشرق الأوسط. حدث من العيار الثقيل أو المتوسط، اعلامي أو حربي أو اقتصادي، أو سياسي في معظم الأوقات، يعيد توتر الأجواء العامة من جديد، ويرخي بظلاله على الحياة العامة والاقتصاد، وبشكل أكثر قسوة، يترك تأثيره السلبي على معيشة الناس المنهكة في الأساس في عيشها.
مع كل حدث مستجد يشحن الأجواء ويرفع من نسب التوتر والترقب، يعاد إعلاميا أو عبر منصات التواصل الاجتماعي أو حتى خلال تبادل الأحاديث الشفوية، استخدام العبارة الدارجة بأن “المنطقة على كفّ عفريت”. وهي عبارة أعيد استخدامها بكثافة ملفتة خلال الأيام العشر الفائتة، أي مع عملية “طوفان الأقصى” في السابع من شهر أكتوبر الجاري وما تلاها من تصعيد وتداعيات حادة ومستمرة حتى اللحظة، وأصابت شظاياها المباشرة أو غير المباشرة دول الجوار.
لو عاد المرء بذاكرته إلى سنوات خلت، سيكتشف أنه يعيش مع هذا “العفريت” طوال سنين حياته، يأكل ويشرب وينام ويستيقظ معه. بل إن المنطقة برمتها، بتاريخها القديم والحديث تبدو وكأنها رصدت “للعفاريت”. ما إن يُقضى على احدهم، يستنسخ أشباه كثر له، مع تحديثات جوهرية للنسخ الجديدة، بحيث يبدو “العفريت” الجديد” أكثر شراسةً وتغولاً، كفّه التي يضع المنطقة فوقها لاهياً بها، أكثر ضخامة وبطشاً، مما يدفع إلى الترحم على سلفه “الحبّاب” والناعم، مقارنة به.
أي قدر هذا أن يمضي سكان هذه الجغرافيا حيواتهم مع كل هذه “العفاريت المستنسخين أحياناً من بعض أهلها، وأحياناً من الأغراب، وأحياناً من جنس “العفاريت” بذاتهم، الذين صنعوا لينغصوا أو يدمروا حيوات الناس باستمرار، يحث لا يهنىء امرىء، أو يستقر، أو يسعد، أو يطمئن، أو يحلم، أو يخطط لمستقبل، أو ينام ملء جفينه مسترخياً آمناً لليلة واحدة، دون قلق من فقر مفاجئ عند الصباح، أو ذعر من حرب مباغتة، أو عدوان ليلي، أو اقتحام لزوار الفجر.
تكمن الكارثة الكبرى أن معظم عفاريت الشرق الأوسط سواء من المحليين، أو من الأغراب الكبار الأكثر سلطة وسطوة ممن يتحكمون به عن بعد، لاتؤثر فيهم لا التعاويذ ولا المعوذات ولاقرارات مجلس الأمن، ولا احتجاجات الشعوب أو وساطات الأصدقاء والحلفاء. إذ يتشابهون في عنادهم، ويتبارون في تغولهم، يبتكرون كل حين حيلاً جديدة لإعادة أرجحة المنطقة فوق أكفهم، بحيث يدفعون بموجات جديدة لهروب الناس منها، تاركين وراءهم أرضاً تشبه الجنات بخصبها ورزقها وثرواتها، لم ينعموا بها يوماً بسبب كفّ “عفريت” ما.
اليوم، وفي مثل هذه الأوقات، يعود “عفريت” المنطقة لنشاطه بهمة أكثر دموية ودماراً. لا يكترث لأشلاء الكبار والصغار، ولايرحم رزقاً أو أحجار بيوت أو ذكريات. تطربه الصرخات والعويل كموسيقى فجائعية، ولايهتز له جفن. ويتوقع أن يلهو أكثر ويعبث بأقدار الناس التي قد لايسعفها الوقت لتوضيب حقائب سفرها، أو حتى ارتداء حذاء للخروج.
ألا يموت هذا “العفريت” أبداً؟ نعم، يموت أو على الأقل يتبخر ويختفي لسنوات أو لدهر حين يسمع بكلمتين تحرقانه: أولهما حقوق والأخرى سلام. وبتركيب لغوي آخر، لا سلام بلا حقوق.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.