إقرأ أيضاً
“البشر العالقون اليوم تحت نير العبودية، أكثر من أي وقت في التاريخ، بما فيه الزمن الذي كانت فيه العبودية قانونية، وملايين هؤلاء العبيد هم من الأطفال”. ” تهريب البشر تجارة تدر 150 مليار دولار في العام، والولايات المتحدة من أهم الوجهات لتهريب البشر، ومن أكبر مستهلكي الاتجار بالأطفال”.
بهذه الحقائق الصادمة، ينهي المخرج الأميركي- المكسيكي أليخاندرو مونتيفيردي فيلمه المتميز “صوت الحرية” المنتج عام 2018، الذي تعثر إطلاقه لعدد من الأسباب من بينها جائحة كورونا، إلى أن تم إطلاقه في الرابع من تموز الفائت لهذا العام، أي في يوم العيد الوطني الأميركي، دون أن يكون في الأمر أية مصادفة، إذ أن الفيلم استقطب اهتمام ودعم أرفع المستويات السياسية والإعلامية، بسبب محتواه الذي يتقاطع مع توجهات فكرية وروحية يتبناها اليمين الأميركي.
لم ينحصر نجاح الفيلم وتميزه بالاهتمام السياسي والإعلامي فقط، بل أيضاً في كسره لتوقعات شباك التذاكر وتغلبه في المنافسة على أفلام ذات إنتاجات ضخمة لهذا العام. رغم أن تكلفة إنتاجه لم تتجاوز 14 مليون دولار ونصف فقط، تم جمع ثلثها تقريباً من آلاف المتبرعين، إلا أنه حقق حتى اليوم أكثر من 217 مليون دولار. وهو نجاح كبير ومثير للفضول والاهتمام، لايبدو بعد متابعة الفيلم أنه يتعلق بواحدة من ضربات الحظ، بل في نوعية ومصداقية محتواه الواقعي، والأسلوبية الاخراجية في كيفية تقديم مثل هذا المحتوى المؤثر للجمهور.
بني فيلم “صوت الحرية” الذي أدى دور البطولة فيه الممثل جيم كافيزيل، وهو النجم الذي قدم ببراعة عام 2004 دور يسوع في فيلم “آلام المسيح” لميل غيبسون، على قصة حقيقية لمهمة دارت فصولها الشاقة والشجاعة في كولومبيا لعميل أميركي سابق في الأمن الداخلي يدعى تيموثي بالارد، حيث تمكن هو وفريقه من إنقاذ أكثر من 120 طفلا وطفلة من المختطفين واعتقال أكثر من 12 مهرب للأطفال، كما دفعت شهادته عن هذه العملية الكولومبية التي اعتبرت “بطولية” إلى تمرير الكونغرس في الولايات المتحدة لتشريع زيادة التعاون العالمي في قضايا تهريب الطفال.
” صوت الحرية” الذي يعالج موضوعة اختطاف الأطفال لأجل تسخيرهم في العبودية الجنسية، ليس الفيلم الوحيد أو الأول الذي يعالج هذه المأساة التي لاتتوقف. بل ينضم إلى عشرات الأفلام العالمية والأميركية التي عالجت الموضوع ذاته، لكنه سيتميز عنهم بأسلوبيته الاخراجية والدرامية وكافة العناصر الفنية التي صيغت بروح تكاد تكون موحدة في شغفها ومصداقيتها وتبنيها لهذا الموضوع المؤلم الذي يعيشه ملايين الأطفال عبر العالم، وبشكل خاصة أطفال الفقراء في دول أميركا الجنوبية، وهي المصدر الأكبر لمثل هذه التجارة القذرة.
يفتتح الفيلم مأساته في الهندوراس بمشاهد لواحدة من طرق الخديعة التي يتم بها استجرار الأطفال واختطافهم، حيث تختطف طفلة في العاشرة مع شقيها الصغير ابن السادسة من عمره، لتبتدىء رحلة الفيلم مع مهمة العميل تيموثي في بحثه المضني والشاق عن هذين الطفلين تحديداً، قبل أن تنتهي المهمة بتخليصهما مع عشرات الأطفال من الجنسين، وبدء التقاط خيوط أحد أكبر شبكة دولية لتهريب البشر والاتجار بهم، يقف خلفها ويحميها سياسيون وأثرياء وزعماء، منحرفون جنسياً، يبيعون أو يأجرون بضاعتهم، أي الأطفال، لمنحرفين جنسيين مثلهم.
مهمة العميل تيموثي لن تكون سهلة أو بسيطة أبداً، لكنه بوصفه أب لعدد من الأطفال وبمساندة ودعم نفسي إيجابي هام من قبل زوجته، سينخرط في هذه المهمة ويتبناها حتى النهاية، رغم أن قيادته ستتوقف عن تمويل مهمته، لكنه لن يتراجع وسيتابعها تطوعاً وعلى نفقته، لينجح في النهاية في تحرير طفلة الهندوراس، الركيزة الدرامية الأساسية التي بنيت عليها القصة الحقيقة، والتي بيعت لزعيم المتمردين في كولومبيا، حيث بدا الوصول إلى محميته أو مخبئه الخاص الكامن وسط الأدغال ضرب من ضروب المستحيل، ومقامرة حقيقية قد تكلف المرء حياته.
اعتمد الفيلم على بعض الصور ومقاطع الفيديو التوثيقية الحقيقية التي التقطت خلال مهمة العميل تيموثي وتم مزجها في السياق الدرامي للفيلم، بحيث ساهم هذا المزج المتجانس من زيادة قوة التأثير والكثير من الواقعية. أضف أن الفيلم لم يظهر مشاهداً جنسية مباشرة لاغتصاب هؤلاء الفتية الصغار أو الفتيات، تاركاً للمشاهد مساحته الخاصة لتخيل حجم الألم والضرر اللذين يعيشهما أي طفل أو طفلة يختطفان ويتعرضان لمثل هذه الوحشية، ومدى تأثيرها على الحياة الجسدية والنفسية في المستقبل، هذا في حال كانا محظوظين وتم تحريرهما، إذ أن غالبيتهم يبقون، ومازالوا، يقبعون تحت أسر العبودية الجنسية، في مكان ما من هذا العالم، ويمكن لنظرة أو بحث سريع في الصفحات السوداء لعالم الأنترنيت، أن تعطي فكرة وافية عن أعدادهم، مع تدفق العروض المستمرة لتجارة ممارسة الجنس مع الأطفال.
” تخيل أن يكون سرير أحد أطفالك فارغاً”.
تلك كانت الجملة المؤثرة التي نطق بها والد طفلا الهندرواس، والتي شكلت مفتاح القلب التي حرضت العميل وأدمت قلبه، ودفعته لخوض مهمته الانقاذية البطولية التي تستحق الاحترام والتقدير، ويستحق فيلم “صوت الحرية” الثناء ذاته لنقل هذه التجربة إلى العالم، وإلى كل عائلة بشكل خاص، كدرس بليغ يمكن الاعتبار منه لتشديد رقابة صارمة على الأطفال، والإحاطة بهم في كل مكان وكل الأوقات دون أي إهمال أو تقصير، في ظل عالم فاحش لايرحم في إغراءاته وتغوله المادي والجسدي.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.