إقرأ أيضاً
لا تتوقف المخيلة السينمائية الهوليوودية عن صناعة الأفلام الكابوسية التي تتحدث عن نهاية العالم وأسبابها ومن سينجو إن كان هناك سبل للنجاة. في معظم الأفلام التي عالجت هذا الموضوع، وآخرها فيلم (دع العالم خلفك) الذي أطلق للعرض العالمي نهاية نوفمبر الفائت، دوماً كانت هناك إشارة صريحة أو تلميح إلى النخبة التي ستنجو، وتتكون في الغالب من أثرى الأثرياء وبعض ساسة العالم، تنتظرهم مركبات فضائية أو بحرية للنجاة على نسق سفينة نوح، أو ملاجىء مجهزة بالكامل لحياة طويلة تحت سابع أربع.
أحدث التصورات المتعلقة بنهاية العالم ستحدث بفعل التكنولوجيا وبسبب وصولها إلى الدول المارقة والإرهاب العابر للحدود، الذي راكم الأحقاد والكراهية، وسيستخدم النتاج التكنولوجي الغربي المتقدم كسلاح يثأر به من العالم الغربي. وهي واحدة من المحاور الدرامية التي أراد فيلم (دع العالم خلفك) أن يحذر منها، مضمناً في محتواه العام رسالة صريحة تتعلق بتراجع المعايير الإنسانية والأخلاقية للمجتمع الأميركي والتي ستساهم بدورها في يوم قريب إلى دمارها بيد أعدائها.
(دع العالم خلفك) الذي كتب له السيناريو وأخرجه المصري- الأميركي سام إسماعيل وتم اقتباسه عن رواية تحمل الاسم ذاته لرومان علم، وبطولة جوليا روبرتس وماهر شالاعلي وإيثان هوك. فيلم لم يكتف بجمع كوكبة من الأسماء الشهيرة والجذابة في عالم السينما، بل ستبدو مشاركة شركة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما وزوجته ميشال في الإنتاج أمر ملفت لايخلو من تفسير سياسي يتلخص بتحميل المسؤولية للسياسة الأميركية التي تسببت بصناعة أعتى الأعداء الألداء للولايات المتحدة.
ماذا يعني أن تفقد كل سبل التواصل مع العالم بشكل مفاجئ بسبب هجوم سيبراني؟ أي أنك ستجد نفسك فجأة معزولاً بالمطلق مع انقطاع الاتصالات الهاتفية والأنترنيت والكهرباء وتعطل المواصلات وفقدان التحكم التام بضخ الغاز والبترول والمياه وفقدان السيطرة على محركات السفن والغواصات والطائرات والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية. وبصدمة أكثر وقعاً، ستراقب بذهول انهيار حياتك المرفهة في دقائق وتراجعها نحو البدائية، في ظل مناخ جديد ستسود فيه شريعة الغاب وصراع البقاء وفلتان السلاح وانهيار المجتمع وتحاربه.
هذه الفكرة الخطيرة المتعلقة بفقدان التكنولوجيا التي تشكل واحدة من أفكار الفيلم، ستبدو مثيرة للذعر للغاية بالنسبة للمجتمع الأميركي والمجتمعات الغربية المتقدمة، لكنها في الواقع مضحكة بالنسبة لعدد من مجتمعات العالم، التي ماتزال بعضها تعيش بدائيتها بإرادتها أو بسبب الفقر أو لأسباب أخرى، أو يفرض عليها قسراً نمط حياة بدائية بسبب الحروب التي تقودها ضدها أميركا وبعض دول الغرب أو هي متورطة في دعمها، كما يحدث اليوم في السودان، أو سوريا، أو أفغانستان، أوغزة المنكوبة.
لكنها في الوقت ذاته، فكرة يمكن أن تكون محفزة للمجتمعات المرفهة تكنولوجياً وغارقة حتى الصميم في عوالمها، وتحرضها حول احتماليات فقدان هذا النمط من الحياة أو فقدان التحكم به. وفي الوقت ذاته، تثير الأسئلة الوجودية عن مدى عزلة الفرد عن مجتمعه التي تسببت بها هيمنة التقنيات المتقدمة واستلابها له. أي أن التكنولوجيا بحدّيها، أداة مساعدة وأيضاً مدمرة للإنسانية التي تفقد تواصلها الحقيقي فيما بينها، سواء على مستوى أفراد العائلة، أو على مستوى أفراد المجتمع واغترابهم وخوفهم وحذرهم من التواصل فيما بينهم بسبب العنصرية والكراهية واحتقار الآخر.
“الموت لأميركا”. قصاصات حمراء تحمل هذه الكلمات سيتم رميها في الهواء في أكثر من مكان خلال الهجوم السيبراني. وفي محاولة أبطال الفيلم لمعرفة هوية العدو الذي يرمي هذه القصاصات. سيتم التخمين مرة أنه إيران، ومرة كوريا أو الصين. ليأتي الجواب بعد حيرة أنهم قد يكونوا جميعاً بسبب كثرة الأعداء الذين صنعتهم السياسة الأميركية. مع التنويه إلى أن القصاصات التي تتهم بها إيران وتهدد بموت أميركا مكتوبة باللغة العربية، فيما الأصح أن يتم كتابتها باللغة الفارسية الخاصة بإيران، لكن من الواضح أن صناع الفيلم تعمدوا بإشارة غير بريئة شمل العرب ضمن قائمة الإرهاب الدولي المحتمل.
(دع العالم خلفك) فيلم إثارة لايخلو من الأفكار الساذجة والنمطية اتجاه الآخر، لكنه لايخلو أيضاً من أفكار هامة تتعلق بالحاجة إلى إعادة الحسابات فيما يتعلق بالعلاقات البشرية والعلاقة مع الآخر، أضف إلى أهمية انحيازه في النهاية إلى الجيل الشاب المعول عليه، حيث ستختفي الابنة الصغيرة بعيداً عن أسرتها المحاصرة بالكوارث، وتكتشف بنفسها الخلاص المتمثل بالملجأ المجهز بالكامل لأجل الحياة لسنوات طويلة، وتهرع إلى مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل(فريندز) الشهير، ليس بسبب شهرته وتأثيره في المجتمع الأميركي فقط، بل لمعنى الصداقة مع الآخر الذي يحمله المسلسل، والتي تشكل أهم ركائز أي حياة اجتماعية سوية وصحية.
ستتعدد أسباب نهاية العالم، لكن الفناء واحد. وإلى حينه، يبقى السؤال ملحاً لِمَ الأميركيون على عجلة من أمرهم ويلحون عليه إلى هذا الحد من الإنتاج المكثف حول الموضوع؟؟
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.