إقرأ أيضاً
لا أجد تفسيرا سياسيا أو اقتصاديا أو حتى في السياق النفعي المصلحي المجرد لموقف الولايات المتحدة الأمريكية الرسمي المساند لحكومة إسرائيل التي توحشت في حربها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل بحجة الانتقام لنكستها في 7 أكتوبر؛ حقا الأمر محير من كل الجوانب، ويدعو إلى تعزيز فكرة أن القرار الأمريكي بات مرتهنا لصالح إسرائيل عبر جماعات ضغطها التي ترفع رئيسا وتسقط آخر.
لقد مثلت الولايات المتحدة الأمريكية طوال العقود الماضية حلما ورديا لكل إنسان محروم، تواق لممارسة فضيلة الحرية ضمن أجواء من السماحة واليسر، وكانت موئلا يأوي إليه المساكين ممن تكبلت أذهانهم وأفئدتهم وأطرافهم في قيود من البيروقراطية المقيتة، ويلجأ إليها الأحرار هربا من محابس الأفكار التسلطية المشينة، ونجاة من أغلال المعتقدات المذهبية والاجتماعية المتحجرة، فيتشكلون في مجتمعها الفسيفسائي المتجانس، ولا يشعرون فيها بالغربة، فالكل سواء في ظل سيادة القانون.
بذلك أراد الآباء المؤسسون بناء محيط عالمهم، وعليه نشأت الدولة الفتية التي تمكنت من أن تفرض هيمنتها على العالم لعقود طويلة، ودون أن تشارك في أعمال الاحتلال خلال الحربين العالميتين، وتلطخ يدها بدماء الأبرياء المدافعين عن أنفسهم وأعراضهم وأوطانهم.
إلا أن ذلك قد بدأ في التغير كليا وبدرجة عالية من الوضوح مع مطلع القرن الواحد والعشرين، وبخاصة فيما يتعلق بعلائق سياستها الخارجية، التي وجهها أركان الكيان الصهيوني لخدمة مآربهم، دون النظر إلى الفائدة والمصلحة المتحققة للشعب الأمريكي، لتتحول الولايات المتحدة الأمريكية مع مرور الأيام من الدولة الأولى محبة، إلى الدولة الأولى كرها، ومن المكان الأكثر أمنا، إلى المكان الأكثر ريبة وخوفا، ومن الأرض التي يمارس فيها العدل البشري وفق معاييره الممكنة، إلى الساحة التي يصول فيها الشيطان ويجول عابثا بكل القيم والحقوق الإنسانية.
لقد عمل الكيان اليهودي ومنذ هجرة أفراده للدولة الأمريكية الناشئة على إعمال السيطرة على منافذ المال ومفاتيح السلطة، من واقع قوة ما شكلوه من جماعات ضغط كان لها الدور الفاعل في تشكيل وصنع معظم ملامح السياسة الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن أبرزها منظمة “إيباك”، و”الوكالة اليهودية لإسرائيل”، و”الاتحاد الصهيوني الأمريكي”، و”الكونغرس اليهودي الأمريكي”، و”الصندوق القومي اليهودي”، وغيرها، والتي استهدفت عملها بشكل مباشر داخل أروقة الجامعات، وبين أعمدة الكنائس، واهتمت بالاستحواذ على وسائل الإعلام المختلفة، ومناطق صناعة القرار، وهو ما مكنهم من تملك عدد من المناصب القيادية، مثل رئاسة عديد من الشركات الكبرى، والجامعات المرموقة، والمحطات الإعلامية الشهيرة، علاوة على تشكلهم بنسب واضحة في عضوية مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي، وعدد من المناصب الوزارية السيادية، كوزارة الدفاع والخارجية، إضافة إلى وضعهم اليد على عديد من المناصب الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة كالبنك الدولي وغيره.
الأمر الذي مكنهم من السيطرة على منافذ العالم ومقدراته، وتسخيرها لخدمة أهدافهم ومصالحهم التي لا يمكن تحقيقها إلا على رؤوس الأشهاد من غيرهم، ولا تتأتى إلا بزوال كل الأمم أمامهم، ليعيشوا حياتهم السرمدية، كما يتخيلون، فالأرض ما خلقت إلا لهم، والناس ما وجدوا إلا لخدمتهم.
بذلك تمكن اللوبي اليهودي من تنفيذ كل مخططاته، ونجح في تحويل الشعب الأمريكي إلى خدم يعملون لصالح أفراده، لتتحقق نبوءة أحد أباء الشعب المؤسسين وهو السناتور بنيامين فرانلكين الذي حذر في خطابه الذي ألقاه خلال أعمال المؤتمر الدستوري عام 1789م من خطر هجرة اليهود وتغلغلهم في مختلف المجالات داخل أرض الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جاء في كلمته:
“أيها السادة، هناك خطر فادح وكبير يهدد الولايات المتحدة، هذا الخطر هم اليهود، ففي كل أرض يستقرون فيها تراهم يحطمون الروح المعنوية للناس، ويقللون من قدر الأمانة التجارية، لقد ظلوا مشتتين يحاولون خنق الأمم ماديا كما فعلوا في كل من البرتغال وإسبانيا… فإذا لم يتم إبعادهم من الولايات المتحدة بمقتضى الدستور فإنهم سيتدفقون إلى هذه البلاد بأعداد تسمح لهم بحكمنا، وتدميرنا، وتغيير شكل نظامنا الذي سفكنا نحن الأمريكيون دماءنا وضحينا بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الشخصية من أجله، وإذا لم تبعدوا اليهود فإن أطفالنا سيكونون عمالا في الحقول لإطعامهم، بينما يبقون هم في البنوك يفركون أيديهم في فرح، إنني أحذركم أيها السادة بأنكم إذا لم تبعدوا اليهود إلى الأبد، فإن أطفالكم وأحفادكم سيلعنوكم في قبوركم، إن مبادئهم ليست مثل المبادئ الأمريكية، حتى إذا عاشوا بيننا عشرة أجيال، إن الأسد لا يستطيع أن يغير البقع التي على جلده”.
هكذا كانت نبوءة السناتور الأمريكي فرانلكين التي للأسف تحقق فيها كل حرف من حروفها، وأصبح الفرد الأمريكي يشغل ليله ونهاره، من أجل تغطية احتياجات الكيان اليهودي سواء في أمريكا أو إسرائيل، وأصبح الجندي الأمريكي يقضي صبحه ومساءه في خوف ووجل، وحرب وهلاك، من أجل هدف ليس له فيه ناقة أو جمل.
فلماذا كل ذلك؟ وهل خلت الأرض الخالدة من أحفاد للآباء الأوائل يعملون على تصحيح المسار؟ سؤال أطرحه برسم الإجابة من كل فرد أمريكي حر لا يزال محتفظا بموقعه خارج دائرة تأثير النجمة الداوودية.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.