skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

غرائزية ترامب وماسك تصبح "الحنجرة العميقة"
WhatsApp Image 2024-11-21 at 18.01.32
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ترامب يدخل السياسة قسرا للبيوت العربية
Glasser-Trump-NATO-2024
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
هل سحقت رجولة إيران الجيوسياسية؟
508037
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
كم صوتا ستجمع تايلور سويفت؟
74a9c2c4-3821-4d7b-965d-d158d1197a84
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
من يترقب الحرب العالمية الثالثة؟
russia-war-ukraine-09222023-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
بلير خرقة مبللة بالنفط وليس مصنع مُثل
9b882a52-0280-48a8-abc9-1dc1f303c00c
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
بين لوليتا و إبستين
pexels-sabine-fischer-19052546
جودية سامي
January 6, 2024
جيفري إبستين/أرشيفية
جودية سامي -

فجرت الدفعة الثانية من أوراق محاكمة جيفري أبستين الكثير من اللغط، وساق بمناسبتها العامة افتراءات بشعة على شخصيات عامة، وأحياناً افتراءات غير منطقية. لعل لعنة الأشخاص المحيطين بجيفري هي أسماؤهم الرنانة، وشخصياتهم اللافتة، ومواقعهم الحساسة. إبستين الذي أصبح فايروس يصيب كل من اقترب منه – حتى بصفات اعتيادية وغير جرمية – بنوع من الجذام، تسبب إلى ما بعد مغادرته بكل قبحه وأمواله عالمنا معلقاً من رقبته في زنزانته، تسبب في موجات من الأنباء الكاذبة التي أحاطت بكل الشخصيات التي ذكرت في وثائق المحكمة على دفعتين. أوبرا وينفري، آل غور، مايكل جاكسون، ديفيد كوبرفيلد وغيرهم. حتى العالم الفيزيائي ستيفن هوكنغ، الذي يدين له العالم بفهم أفضل للثقوب السوداء والنسبية العامة، ونظرية الانفجار الكبير وعدد لا يحصى من المؤلفات العلمية الغنية، لم يسلم من لظى التهم المقززة. هوكنغ الذي لا نتذكر اسمه إلا وتقفز في الذاكرة صورته على كرسي متحرك إلكتروني ورأسه متدلٍّ على كتفه، اتهمه العامة بأنه يقوم بممارسات جنسية غريبة الأطوار في جزيرة الرذيلة التي يملكها إبستين.

يحمل الناس أفكاراً غريبة عن الأثرياء والمتنفذين. بالأمس في إدراج على إنستغرام يتهم أوبرا وينفري بالانخراط في ممارسات جنسية شاذة، علقت سيدة ما باللغة العربية بما معناه؛ أن الأثرياء يحتجزون الأطفال ويعرضونهم لخوف شديد ثم يستخرجون من دمائهم هرموناً يحقنونه في وجوههم وأجسامهم ليحافظوا على شباب خلاياهم! “تخينة هاي يا حجة!!” على بشاعة الفظائع التي قد حصلت على جزيرة إبستين، مما التقطته محاضر المحكمة وما لم تلتقطه، إلّا أن خيال المتحمسين على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى طاولات المقاهي وصبحيات الجارات أبشع بكثير. المزعج أن الإدراج جاء على صفحة أحد الشبكات الإعلامية العربية التي نفترض مهنيتها، لمجرد ظهور اسم أوبرا وينفري، التي التقت ربما بكل ذي شأن في أمريكا والعالم، في وثائق المحكمة كأحد الأشخاص الذين احتكوا بإبستين دون أي نعت مريب للقائها معه. كيف نعتب على الأفراد غير الملزمين بأصول مهنة الصحافة وميثاق شرفها إذا كان الصحفيون لا يبذلون أدنى الجهد في تحري الدقة فيما ينشرون؟؟ لا أدري من الذي اجترح كذبة غاية في الهوس والغباء معاً، مفادها أن هوكنغ، الذي برأيهم كان رغم إعاقته المركبة من المستفيدين من غنائم إبستين، كان يتلذذ جنسياً بمشاهدة أقزام يحلون مسائل حسابية معقدة على لوح مدرسي! هذا الخيال الجامح المريض جعلني أتساءل؛ كيف يتصور الذين نحسبهم طبيعيين من الناس شكل حياة الأثرياء أو المتنفذين؟ والأخطر أي خيالات مريضة يملكون ليتفننوا في ابتكار صور بهذا الانحراف والشذوذ؟! وماذا إذا أصبح هؤلاء المجانين متنفذين أو أثرياء يوماً ما، أي أفكارٍ سينفذون؟

أقرأ في تفاصيل شكاوى الضحايا وأتذكر رواية لوليتا لفلاديمير نابوكوف التي ينطقها على لسان بطلها همبرت همبرت البيدوفيلي، ولا أفهم كيف يستوي لرواية تسوغ البيدوفيليا وتمنطقها بل وتمجدها بإضفاء صفة رومانسية وجمالية عليها أن تنتشر على رفوف المكتبات في الخمسينيات المحافظة والمتزمتة؟ ثم أدرك أن همبرت المهووس ليس غريباً على مجتمعنا البشري. لا يستطيع إنسان سوي أن يستوعب أن يتزوج رجل في عقده الرابع أو يزيد طفلة في السادسة عشر؟ لكنه أمر معتاد في العديد من المجتمعات الشرقية، ولن أتحدث عن ثقافة الغلمان في بعض دول شرقنا البائس. لذلك تصبح تعليقات أصحاب الفضيلة في مجتمعاتنا المحافظة مدعاة للسخرية. فعلى الأقل في مجتمعات الفجور والفسوق، هذه الممارسات مجرمة ويحاسب عليها القانون، لكنها في بلادنا “المحافظة” تمارس تحت مظلة القانون والفضيلة، بل تروج كوسيلة للإعفاف وحماية القاصر من غدرات الزمن، بلمسات العجوز البيدوفيلي! “يحبهن صغيرات!”، هكذا قال إيبستين لفيرجينيا، أحد المشتكيات في القضية، وهو يصف صديقه بيل كلينتون. كذلك كان همبرت يشبق لجسد لوليتاه الطري، وكذلك الخمسيني الذي يتزوج قاصراً.  ولا أنزه هنا المجتمع الغربي المنافق. في الغرب، تحاول الأمهات حماية أبنائهن من حقيقة أن بابا نويل أو سانتا كلوز أو سانت كلاس ليس حقيقاً، وأن الجنيات الطيبات لسن سوى نسج من خيال قصص الأطفال، لكنهن في ذات الوقت لا يمانعن أن يعرف الأطفال بعمر التاسعة عن طبيعة العلاقات الجنسية لا بين الرجال والنساء فحسب، بل بين أفراد الجنس الواحد. ويعرض أطباء الأطفال في بعض الولايات الامريكية على أطفال بعمر من خانة واحدة سؤال: “هل تعرِّف نفسك كولد أم كبنت؟”

نصرخ كنسويات في العالم العربي لنطالب بمزيد من الحرية، وهو مطلب محق، ونعلم كناشطين وناشطات في العمل العام المدني، أن الأغلب الأعم من الساعيات في المطالبة بالحريات للنساء والفتيات في عالم القمع العربي يحملن مطالب مشروعة ووجودية، لا تفيدهن فقط، بل تفيد مجتمعاتهن وتنقل دولهن إلى مساحة الإنتاج بدل الاعتماد على ما تجود به أيدي المانحين. يطالبن بالحق في حياة كريمة، وفي العمل وفي التعليم بشكل مساوٍ للذكور، يطالبن بالحق في الحياة ابتداءً دون امتداد يد البطش المتسلطة على أحلامهن وآمالهن ومستقبلهن. وأخشى فيما أخشاه، أن يستغل المعسكر المحافظ، المتشنج خوفاً على قيم مشوهة لا تمت للدين او للمنطق بصلة، أخشى أن يجدوا في روايات الخيال الإجتماعي المريض التي ذكرنا، ما يتماشى مع أفكار اليمين المتطرف التي بدأت تغزو العالم –بسبب قذارة اليسار المنافق ربما-، مسوغات لشيطنة جديدة للحركة النسوية التي يرونها خطراً على مكتسباتهم من أموال وسلطة، المكتسبات التي جيشوا للحصول عليها -عبر احتكارهم لأدواتها تقليدياً- كل مبادئ الدين والمنطق والقانون بشكل منحرف عن منهجها الأصلي. بين شرق وغرب، الضحية طفل و طفلةٌ، بأي لون أو لسان حُرِمَا مبكراً من طفولتهما، لأجل شهوات منحرفة لأثرياء ومتنفذين يتحركون في مساحات لا تطالها يد العدالة. تمكن بعض المتورطين في انتهاكات جنسية ضد فتيات في قضية إبستين من الإفلات من العقاب عبر تسويات مالية سخية، في نموذج صارخ لكيف يفلت الأثرياء والمتنفذون من العقوبة حتى على أبشع الجرائم. ولعل المفزع حقاً أن هذه هي الجزيرة التي عرفنا عنها، وكم غيرها ما زالت رهينة أسرار المشتركين في خدماتها. عرفنا عنها فقط لأن بعض الضحايا يتمتعن بالجنسيات الأمريكية والبريطانية التي تمكنهن من الوصول إلى آليات العدالة في دولة مؤسسات وقانون، هناك العديد من ضحايا الاتجار بالجنس من جنسيات العالم الثالث في جزر أخرى ومؤسسات خفية منتشرة كسرطانات صغيرة في كل العالم، لن نعرف عنها شيئاً ولن يكون لضحاياها صوت لأنهم ببشرات سمراء أو صفراء في دول لا تعرف عنهم شيئاً، ولا تريد أن تعرف عنهم شيئاً. لولا آليات العدالة في دول الفجور لكان إيبستين الآن يستمتع ورفاقه المنحرفين المتنفذين بأجساد الصغيرات الغضاض ويسفكون براءتهن على رصيف الحريات الجنسية دون أدنى مساءلة، مسألة تستحق التفكر!

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.