skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
بمناسبة بلوغي السبعين مرور سريع على أحداث جعلتني أُعيد النظر في بعض المُسلّمات
Emad
د. عماد بوظو
November 21, 2023
Photo by Iulia Mihailov on Unsplash /تعبيرية
د. عماد بوظو -

أنهيت اليوم سبعين عاماً من عمري، وشاهدت خلال هذه السنوات كثيراً من الأحداث التي إنتهت بي إلى إعتناق بعض الآراء التي تختلف عن ما هو سائد ومتغلغل عميقاً في ثقافة المنطقة التي قضيت أغلب عمري فيها، ومن الممكن أخذ مثال عنها في رؤيتي لما يحدث حالياً في غزّة، فعندما أسمع اليوم بيانات أبو عُبيدة الناطق الرسمي بإسم حركة حماس تعود بي الذاكرة إلى الوراء إلى ستّينات القرن الماضي حين كان أحمد سعيد أشهر مذيعي محطّة صوت العرب في أيام الرئيس جمال عبد الناصر يُلقي بياناته الناريّة التي كانت تتحدّث عن القوة العربية التي لا تُقهر وعن إنتصارات قادمة مؤكّدة وعن صواريخ القاهر والظافر التي ستدكّ إسرائيل والتي توّجها بخبر زحف الدبابات العربية نحو تل أبيب في أول أيام حرب 1967!. 

وبعدها بيانات الإنتصار التي كانت تُرافق العمليات العسكرية لحركة فتح في سياق “حرب التحرير الشعبية” التي أعلنتها على إسرائيل كطريق للتحرير بعد خيبة الأمل من الجيوش النظامية، ثم بيانات جبهة الرفض الفلسطينية ومنظمة إيلول الأسود التي رأت أن الانتصار يأتي عبر خطف الطائرات المدنية ومُهاجمة الرياضيين الإسرائيليين وإختطاف وزراء أوبك، إلى أن أتت بيانات النصر الإلهي من حزب الله وحركة حماس التي حوّلت الصراع مع إسرائيل إلى صراع ديني. 

فخلال هذه العقود إختلفت كثيراً أسماء المنظمات وتوجّهاتها وكذلك شخصيات القادة ولكن جميع العمليات والبيانات كانت متشابهة وتحتوي نفس الكمية من الأكاذيب وتأتي ضمن نفس التسلسل، ففي جميع المواجهات التي عايشتها لم تكن إسرائيل هي البادئة، بل حركات وأحزاب “المقاومة” التي كانت تتحيّن الفرص من أجل مُفاجأة إسرائيل بعملية توقع أكبر عدد من الضحايا، وبعد تنفيذ العملية كانت البيانات تتحدّث عن إنتصار كبير وعن قرب إنهيار دولة إسرائيل. 

وعندما يبدأ الرد الإسرائيلي تتحوّل البيانات الى التغنّي بالصمود الأسطوري للمقاومين، وفي النهاية عندما يتضّح أنه لا قُدرة لهذه المنظمات على مواجهة إسرائيل تتغيّر لهجة البيانات إلى الحديث عن تقصير الدول العربية وعن الدعم الأميركي والغربي اللامحدود لإسرائيل وإستصراخ الضمير العالمي لإنقاذ المدنيين من المجازر التي يتعرضون لها. 

ولا تنتهي العمليات العسكرية إلّا بعد أن يتلقّى الطرف الذي هاجم إسرائيل ضربة موجعة وهزيمة واضحة، ولكن كان يتم قلب الحقائق وإدّعاء الإنتصار بل والإحتفال به، لأنه قد يترتب على الإعتراف بالهزيمة مُحاسبة القادة الذين إتّخذوا قرار مهاجمة إسرائيل وما أدّى إليه من نتائج كارثية، أي أنني حضرت نفس المسرحية بحذافيرها لعشرات المرّات ولذلك أستغرب وجود من مازال يتوقّع من الحرب الأخيرة نتائج مختلفة. 

وكذلك من القواسم المُشتركة التي شاهدتها في هذه العقود أن مفهوم الإنتصار في ثقافة هذه المنطقة هو إلحاق أكبر ضرر “بالعدو”، ولم يُفكر أحد بالبناء أو تحسين حياة الشعب، فالأموال التي تاتي لإيران وأمثالها من الديكتاتوريات العسكرية العربية أو لأتباعها مثل حركة حماس أو حزب الله تُخصّص لإنتاج الأسلحة والصواريخ والطائرات المُسيّرة دون وجود محاولات لبناء مشاريع إقتصادية مُنتجة تنعكس إيجابا على حياة الإنسان. 

لقد إختاروا جميعاً نموذج كوريا الشمالية، شعوب مقهورة وجائعة تنام وتصحو على المارشات العسكرية بينما تتمتّع قياداتها بحياة مُرفّهة في عالم مختلف تماماً، ويتم تسلية هذه الشعوب كل فترة بإلقاء بعض الصواريخ على إسرائيل، بينما إختارت إسرائيل نموذج كوريا الجنوبية نظام ديمقراطي وشعب مُرفّه ومعجزة إقتصادية وعلمية لا يُمكن إنكارها، شعوب تعيش في الماضي وتجترّ أساطيرها وصراعاتها التي لا تنتهي وأخرى تتطلّع إلى المستقبل، لذلك تتفوّق إسرائيل وتتّسع الفجوة بينها وبين الدول العربية سنة بعد أخرى. 

شُعوب تروّج لحب الموت “نحن نحب الموت كما تُحبّون الحياة”، ولذلك يمرّ موت العشرات والمئات مرور الكرام دون تساؤل عن الجدوى وهل هو موت مجّاني أم أنه سيُحدث أي فرق، لذلك نرى حياة الإنسان في هذه المنطقة بلا قيمة وهي عملية مقصودة روّجت لها التنظيمات الإسلامية والقومية حتى لا تتم مُساءلتها عند إتّضاح حجم الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها هذه الشعوب في المعارك التي دُفعت إليها، بينما نرى حب الحياة في إسرائيل التي تم تصنيفها لعدة سنوات كواحدة من الشعوب العشرة الأكثر سعادة في العالم في نفس الوقت الذي تتربّع فيه دول عربية بين الشعوب الأكثر تعاسة. 

ومن المحطّات التي أُحب ذكرها بمناسبة عمر السبعين أنني تأثّرت بل بكيت عند سماع خطاب معمر القذافي الذي أعلن فيه التخلّص من النظام الملكي في ليبيا عام 1969، فقد كنت وقتها رومانسياً في مطلع الشباب، ولكني عشت بعد ذلك عدّة عقود وشاهدت كيف سارت ليبيا نحو نظام ديكتاتوري مع درجة فساد لا تُصدّق وإهدار موارد ليبيا الهائلة في مشاريع وهميّة وشراء زعامات وألقاب فارغة للقذافي مع شعب مقموع مقهور، ولعل أخطر ما فعله القذافي كان القضاء على الدولة الوطنية وإعادة إحياء الولاءات المناطقية والقبلية التي مازالت مُهيمنة حتى اليوم، ولذلك بعد أكثر من نصف قرن على تأثّري الساذج بخطاب القذافي أدركت أن هذا الإنقلاب كان أسوأ ما حدث لليبيا في تاريخها كلّه، وهنا لابد من التأكيد على أنه رغم فداحة ما حدث في ليبيا مع حكم معمر القذافي فإنه كان أقل سوءاً من الذي حدث في العراق مع حكم صدام حسين أو سوريا مع حكم عائلة الأسد.  

 وكذلك بمناسبة عيد ميلادي لابدّ من الحديث عن الرئيس أنور السادات الذي إختار نفس اليوم 19 نوفمبر ليقوم بزيارته التاريخية إلى القدس عام 1977، لقد كان هذا الرئيس ظاهرة إستثنائية ومُختلفة عن ما عَرَفته هذه المنطقة من زعماء، فقد إرتكزت سياسته على عدّة محاور كان منها الإنفتاح الإقتصادي وتغيير توجّه الدولة من الإشتراكية إلى الرأسمالية والإقتصاد الحر، والتوجّه نحو الولايات المتحدة والغرب لأنه رأى أن القوّة الحقيقية موجودة هناك، رغم أنه في ذلك الوقت كان الإتحاد السوفييتي قوة عُظمى وكان كثيرون يعتقدون أنه سينتصر في النهاية على الغرب، ولكن بعد سنوات تأكّد بُعد نظر السادات فقد إنهار المعسكر الإشتراكي والإتحاد السوفييتي نفسه. 

ولعلّ الناحية الأهم أن السادات خرج عن الخطاب السائد في موضوع إسرائيل القائم على الشعارات الفارغة مثل “صراع وجود لا صراع حدود”، وقام بخطوة لا يمكن تصوّر مدى شجاعتها في ذلك الزمن، وهي الذهاب مباشرة إلى القدس ومخاطبة قادة إسرائيل وجهاً لوجه، وكسر السادات بذلك إحدى المُحرّمات التي مازالت سائدة حتى اليوم وهي تجريم التواصل الشخصي مع الشعب الإسرائيلي وقياداته، وقد شاهدت وقتها خروج الاسرائيليين للشوارع للترحيب بالسادات وإستقبال جميع قادة إسرائيل له في المطار وعلى رأسهم غولدا مائير وموشي ديان ومناحيم بيغن وتبادُل الأحاديث الوديّة معهم، وهذه الصور مازالت حيّة في ذهني وكأنها حصلت قبل أيام لما فيها من صدمة لمن رضع ثقافة الكراهيّة في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام. 

وأتمنّى على من يقرأ هذا المقال أن يشاهد إستقبال الرئيس السادات عند نزوله من سُلّم الطائرة والترحيب الحار الذي حظي فيه في إسرائيل، فربّما يساعد ذلك في معرفة أننا جميعاً في النهاية بشر وأن ما يجمعنا أكثر من ما يُفرّقنا وأن الحلم بمستقبل واعد وإزدهار أمر ممكن وهو أفضل من الحروب التي لا تنتهي، فقد أدّت خطوة السادات الشجاعة إلى إتّفاق سلام مع إسرائيل إستعادت مصر فيه كافة أراضيها كما ظهرت بوادر إنتعاش إقتصادي مما دفع الإسلاميين إلى إغتياله لتعود عقارب الساعة إلى الوراء ولتزدهر في مصر مرّة أخرى ثقافة الكراهية وليعود الترويج للتحالف مع الديكتاتوريات في روسيا والصين والتراجع عن الإنفتاح الإقتصادي إلى إقتصاد الجيش لتنتهي مصر إلى ما هي عليه اليوم.  

دراسة ما حصل خلال العقود الماضية بعقل مفتوح والإعتراف بأخطاء الماضي ومحاولة الإستفادة منها بدل الإستمرار في سياسة الإنكار، وكذلك الإعتراف بالفشل السياسي والإقتصادي والتخلّف العلمي والحضاري الذي نعيشه حالياً قد يُشكّل الخطوة الأولى نحو مستقبل أفضل. 

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.