skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
باي باي طبريا Bye Bye Tiberias
Colette Bahna 2
كوليت بهنا
February 15, 2024
مشهد من الفيلم
كوليت بهنا -

منذ أن نهضت السينما الفلسطينية وشقت طريقها نحو العالمية، يمكن اعتبار كل فيلم قدم حتى اليوم أشبه بقطعة “بزل” تكمل اللوحة الفلسطينية الكبرى التي لم تنته بعد. والتي تميزت في معظمها بهاجس إحياء الذاكرة الفلسطينية والإصرار على استعادتها وإحيائها باستمرار عبر مواضيع محاكاة مباشرة أو إدماجها في خلفيات مواضيع أخرى، وأيضا عبر أساليب سينمائية مختلفة، درامية أو وثائقية أو تسجيلية.

المدهش الجديد والمضاف لملف السينما الفلسطينية، هو الأصوات السينمائية الفلسطينية الشابة المنتشرة اليوم على الساحتين الفلسطينية والعالمية، والتي يمكن تصنيفها بالجيل السينمائي الثالث، الذي تشي معظم إنتاجاته بأنه استلم شعلة الذاكرة بأمانة، ولايبدو أنه حريص على هذا الإرث فقط، بل شغوف به وبتحديثه عبر مقاربات ورؤى سينمائية عصرية، وبما يمكن اعتباره دأب وجودي لاستمرار صلة الرحم.  

(باي باي طبريا) وثائقي فلسطيني للمخرجة الشابة لينا سويلم من إنتاج 2023 من كتابتها مع نادين نعوس والتعاون مع غلاديس جوجو، ينتمي إلى هذا الشغف بالذاكرة، واللهاث للقبض على الزمن قبل انقضاء الحيوات وضياع مخزونها الثمين. تستعيد فيه لينا بعضاً من طفولتها المبكرة حين جاءت إلى بيت جدتها للمرة الأولى وهي في عمر سنة ونصف، ومااحتفظت به في ذاكرتها عن هذه الزيارة والسباحة في بحيرة طبريا وطعم الباذنجان المقلي مع الثوم الذي أذاقته لها جدتها لأمها نعمات.

لينا سويلم، الفرنسية الجزائرية، ابنة النجمة الفلسطينية هيام عباس التي ستشكل العمود الفقري للفيلم، تستعاد من خلالها سرديات الجدة نعمات، أم هيام، المدرّسة التي أنجبت عشرة أطفال عاشوا في غرفة واحدة، والجدة الكبرى أم علي والدة نعمات، والمرور على قصة الخالة حسنية شقيقة نعمات، التي هربت خلال حرب 1948 إلى سوريا وعاشت في مخيم اليرموك جنوب دمشق. باختصار، هي قصص لحيوات أربعة أجيال من نساء عائلة فلسطينية عادية، لكنها بالتأكيد ستصبح غير عادية بما تمنحه لها السينما التوثيقية من قيمة تأريخية طويلة الأمد.

سبق للمخرجة سويلم، وهي ابنة الممثل الجزائري زين الدين سويلم، أن حققت فيلمها الوثائقي الأول(جزائرهم) الذي يتحدث عن الجزائريين المهاجرين في فرنسا من خلال سيرة والدها وجديها. لكنها في (باي باي طبريا) ستبدو متعاطفة وإن بشكل غير مقحم أو مباشر مع “الروح النسوية” لشخصيات فيلمها، أضف إلى إدراكها واحترامها لاستثنائية قضية فلسطين المركزية التي تواجهها هنا وتشكل روح الفيلم وهويته، وهوية شخصياته ومرجعياتهم، والتي كانت ولاتزال المسبب الرئيسي لتشرذم عائلات، أو اندثارها بالكامل، وهو المحرض الأول للإمساك بما تبقى من ذاكرة أسرتها.

سيساعدها في مهمتها، مقاطع فيديو سبق لوالدها أن قام بتصويرها في مطلع التسعينات عن الحياة اليومية الفلسطينية في قرية “دير حنا” المتاخمة لبحيرة طبريا والتي تنتمي إليها عائلة أمها. وهي مقاطع أشبه بثروة توثيقية حقيقية ستوظف في الفيلم باحترافية وتتموضع في أماكنها الصحيحة. تضيف إليها مقاطع مؤثرة من الأرشيف السينمائي العالمي الذي يظهر زمن نكبة 1948 والمقاومة الفلسطينية وأوجاع الفلسطينيين وتشردهم حفاة على الطرقات، والدمار الذي حل بأرزاقهم وبيوتهم وحيواتهم.

ثلاثة أزمان، 48، و92، و2018 تربط نسيج الفيلم ومصائر شخصياته، تبرز بعض وثائقياته بشكل ملفت انفتاح المجتمع الفلسطيني ونساء الأربعينات، ومدى التلاحم الاجتماعي وصلابته، وأيضاً المستوى العالي للتعليم في فلسطين وانخراط النساء فيه. كما لاتغفل المخرجة إظهار حضور الاحتلال الإسرائيلي في عدد من المقاطع الأرشيفية القديمة أو الحديثة مثل مشهد عبور الجنود الاسرائيليين خلف هيام عباس خلال وقوفها عند شاطئ طبريا.

هيام عباس العفوية، الصادقة والشفافة والصريحة، لاتمارس في فيلم ابنتها أي دور وصاية فنية، بل تطوع نفسها وإمكانياتها باحترافية شديدة وسلاسة ملفتة بين يدي مخرجة، وستبدو في الفيلم بحالة عاطفية شديدة باسترجاع ذاكرتها كإبنة لأمها نعمات وخالتها حسنية وحفيدة أم علي ذات الضفائر الجميلة. وكأن هذا الفيلم كان حاجة وضرورة وجدانية لهيام عباس، تفرغ فيه مخزونها المتراكم من الحنين والشوق والحب وطلب الغفران لأية أذية تعتقد أنها ربما تسببت فيها لأسرتها بسبب ابتعادها عنهم وزواجها من غير فلسطيني، وأيضاً لسيرتها الذاتية التي اختارت فيها مهنة التمثيل الذي أوصلها باقتدار إلى العالمية.

في الواقع، (باي باي طبريا) الحائز على تقدير عالمي والذي رشحته دولة فلسطين ليمثلها في الدورة 96 من حفل جوائز الأوسكار 2024، فيلم لا يتحدث عن الهوية والذاكرة من خلال سيرة عائلية فقط، بل هو فيلم عن الحرية والتوق لها، من خلال الحلم بالحرية الشخصية التي لا تنفصل عن الحرية العامة للفلسطينيين، لكسر الحصار السياسي والعسكري والاجتماعي والنفسي. وما رحلة هيام عباس وتوقها للحرية، إلا أنموذج حي وتجسيد لقوة المرأة الفلسطينية، وشغفها بتحقيق الذات، وانعكاس لشعب استثنائي بكافة المقاييس. ستكرر هيام عباس أكثر من مرة خلال سياق الفيلم وهي تقف عند شاطئ بحيرة طبريا: “ورا هالجبال سوريا، وورا هالجبال لبنان، ومن هون الأردن، وهينا إحنا في النص”. لتلخص بهذه الكلمات، ما صنعته الحدود السياسية بالجغرافيا الطبيعية للأرض، ومحاصرة الشعب الفلسطيني من جميع الجهات، وبناء المستوطنات الإسرائيلية في أعالي الجبال المحيطة بالبحيرة والقرى المجاورة لها، في مخطط معماري تتبعه معظم الدول المستبدة ليسهل من خلال هذا التموضع تطويق السكان العزل وقنصهم عند اللزوم.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.