skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
العالم كما يراه أبو عبد الله الشمالي
WhatsApp Image 2023-11-15 at 12.20.02
محمد عبد الجواد
November 15, 2023
خريطة الادريسي، ويظهر فيها العالم مقلوبًا
محمد عبد الجواد -

كانت صدفة جميلة عندما أخبرني الدكتور سعد عليوة، بما له من تحقيقات فريدة في مجال التراث، عن طائفة الشماليين، أو طائفة أبو عبد الله الشمالي، وهي طائفة غامضة، عاشت بزمن المعتصم لدين الله، ويُعتقد أنها كانت من الفرس بالكامل، لولا بعض العناصر العربية والتركية، وقد أنشأها رجل لا يعُرف عن أصله شيء، سوى أنه كان داعية مُجد، ظهر بوسط آسيا، وانتقل إلى بغداد من خلال سلسلة من التجارات الفاشلة في عدة بلاد إسلامية أخرى، وافترش نواحي مسجد قديم، وبعد فترة من الدروشة، تبنى معتقد غريب ومتفرد، أقامة على أساس مقارنة مفاجئة بين الشمال والجنوب، بسبب عبارة واحدة فسرها في القرآن وهي عن النجم الشمالي، في الآية الخاصة” وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ (48)وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ (49)” وفسرها حينها بأن الله قد أقسم على نفسه بأنه رب الشعرى، أي رب النجم الشمالي؛ أي رب الشمال-مع تأكيده بأن ربنا رب كل شيء، ورب الشمال والجنوب مثلما هو خالق الجنة والنار-فاكتشف أن شمال بغداد أكثر ثراءً من جنوبها، وأن شمال مصر، التي مر عليها في شبابه المجهول، أكثر ثراءً من جنوبها، حتى توصل بعد تحليل جاد، وتفحص لكل قصص نشأة الخليقة، أن الشيطان قد سقط من السماء، والتي هي في الشمال دائمًا، ووقع في الأرض، التي هي في الجنوب، ولذلك صارت دُنيا، لأن الشمال فوق، والرفيق الأعلى المرجو ليس بالجنوب، ولذلك نشأت حياة الانسان على الأرض وهي تحمل في بذرتها إشراق الشمال وفساد الجنوب: فكل ما صار شماليًا علا نجمه وتوافق قدره مع طوالع السعد في السماء، وكل ما صار جنوبيًا ساء حظه وتأثر بطوالع النحس، كما كتب في كتابه الوحيد والغريب عن مذهب الشماليين هذا، مع تفاصيل أخرى تخص مواقع المدن التي جاء منها الأنبياء، ومواقع مدن العذاب، وتركيز على أن موسى انتصر على فرعون لأنه كان شمالاً مطاردًا من الجنوب. بعد طباعة الكتاب الذي كتبه بحبر السهر والدموع  خلال عقد، انتشر بمساعدته بين بعض الفرق الفلسفية الدينية، وتوصلوا معًا إلى أحكام أخرى تخص وضع القرآن ناحية الشمال دائمًا في محل السكن، واختيار الفراش بموضع شمالي، باعتبار أن باب البيت دائمًا بالجنوب، كما أنهم شددوا على ممارسة الحب والرجل في الشمال، والمرأة أسفله، في الجنوب، لأن الشيطان يتجلى بينهما عندما تتبدل الأدوار، وبانشاء المساجد في شمال المدينة، مع قصر الحاكم، بدلاً من المنتصف، والذي يضعه في مسار سيء بين خطوط الشمال والجنوب، بينما توضع الزرائب والمخازن وكل السجون والمشافي في الجنوب، لأنه يناسب الوجه السيء من العملة: فالجنوب شيطان دائم، على ناحية أخرى من عملة وجهها عند الله في الشمال.وهو المذهب الذي انتشر سريعًا، ولاقى ترحيبًا كبيرًا، خاصًة مع تأكيد أتباعه على تغير حيواتهم للأفضل، وجعلهم هذا يغالون في تقدير أبو عبدالله، والذي لُقب بالشمالي، وجعلوه في مصاف الأنبياء، أو في مرتبة أدنى للدقة، وعند ذلك تسلل العنف إلى الطائفة، لأنهم آمنوا بوجوب افساد كل جنوب، فأحرقوا قطاع من جنوب بغداد، طبقًا لخريطة رسمها جغرافي منهم، وتعاملت السلطة مع ذلك بعنف مستحق، فتتبعوا الجناة، وفوجئوا بكثرة عددهم، والذي وصل وقتها إلى خمسين ألفًا من الرجال المتحمسين، والذين أطُلق عليهم اسم الشماليين، قرر المعتصم التعامل معهم بحسم، ولأن جيشه كان من التركمان وقتها، أهل والدته، فقد عُد الأمر من ضروب المواجهة الطبيعية بين الفرس والتركمان.

انتهى أمر الطائفة عندما تطورت الأفكار العنيفة، مع قسوة الحملات، وصار هناك حديث متصل عن وضع الكعبة كنقطة أساسية لتحديد كل شمالي، بينما تقاوم بلاد الجنوب بكل امتنان، ومن أكثر الأفكار مغالاة، ما اتصل بفكرة أن أبو عبدالله نفسه مقدس، لأنه أول مبعوث شمالي منذ فترة، وأن هجرة النبي من مكة الجنوب إلى مدينة الشمال كان سببًا في النجاح، وأن الصلاة التي تبدأ وقوفًا شماليًا، ثم تنتهي جنوبًا، لأنها تمثل حركة الانسان بين أصله الفوقي الشمالي  ووضعه الحالي الجنوبي، وهو ما دفع أتباع الطائفة إلى تغيير أساميهم، فصاروا شماليين بالاسم بعدما صاروا بالفعل، ثم كفروا كل من يلتزم بالجنوب، بما فيهم الخليفة ذاته، فأصدر المعتصم قراره بتصفيتهم تمامًا. واجه الشماليون الحملات التأديبية باجتهاد واضح، وكان طلبهم الوحيد، قبل حفلات الاعدام التي أقامها المعتصم في الساحات الأهم بالمدينة؛ أن يدفنوا في شمال بغداد، لأن جهنم أسفل أرض الجنوب،و انتهى أمرهم خلال عامين، وأحرُقت نسخ كتاب الشمال لأبو عبد اللله، والذي قطعت رأسه بساحة المنصور، ولكن انتقل كتابه من يد إلى أخرى، حتى اندثرت الفكرة تمامًا، رغم تبني البعض لها، في ظهورات خفيفة بلا ضجيج، وكان أهم ما جاء في آخر الكتاب، هو تحذير أبو عبد الله الواضح، بأن خرائط العالم ستُرسم بطريقة خاطئة، تجعل بلاد الفرنج في الشمال، وبلاد الإسلام في الجنوب، وهي المؤامرة التاريخية التي شدد على الانتباه لها، لأنها ستوقع بلاد الاسلام تحت يدي الشيطان، بعيدًا عن نورانية الشمال، ولذلك كان يعطي انتباهًا حقيقيًا برسم خرائط واضحة للعالم  كما يعرفه الناس وقتها، وكما سمع عنه، وقد التزم الادريسي الجغرافي الشهير. بذلك عندما رسم خريطته، لأنه تأثر قليلاً بأفكار الشماليين، ولكنه لم يعلن عن ذلك خوفًا من الصخب، وهي خريطة مشهورة، تظهر العالم مقلوبًا، بغير ما نعرفه، أو الصورة الصحيحة للعالم.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.