skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
الترف الذي اهترأ بحجّة الحداثة
WhatsApp Image 2023-11-03 at 15.25.09
هاني نديم
January 5, 2024
تعبيرية/ Photo by Anna Romanova @Pexels
هاني نديم -

في مسابقةٍ معماريةٍ أقيمت لإنشاء مبنى كلية الفلسفة في إحدى الدول العربية الغنية، تقدّم أحد المهندسين المعماريين الشباب بمخطط مشابه لمبنى الأكاديمية الكلاسيكية في أثينا التي تدخل إليها من بين منحوتتين لسقراط وأفلاطون. وأقرب إلى مبنى مجلس التعليم القديم في فيلادلفيا الذي زينت قمته بمجموعة من التماثيل النصفية للعلماء والمفكرين الكبار، مثل إسحاق نيوتن وألكسندر جراهام.

المحكمون كانوا قد أرسلوا لي نتائج المسابقة كي أعيد صياغتها لنشرها في الصحف ونشرة الجامعة، وطبعا لم يفز صاحب هذا “الترف” المعماري على جماله، وكانت مسوغات اللجنة تشير إلى انتهاء هذا النوع من المعمار الذي يجمع بين الكلاسيكية والآرت ديكو.

تذكرت ما جاء في المحاضرة الشهيرة التي ألقاها المعماري المورافي أدولف لوس عام 1910 في فيينا، بعنوان “الزخرفة والجريمة” يقول فيها إن الزخرفة لا تأبه بالاقتصاد، كما أنها خاطئة من الناحية الأخلاقية، وهذا الخطأ يصل إلى حدّ الجريمة في أماكن ما! ويشير أيضاً إلى أن تطوّر الثقافة مرادف لإزالة الزخرفة من المخزون البصري اليومي، لقد أثارت تلك المحاضرة الجدل الواسع منذ هذا الوقت خاصة وأنه ألقاها في (زمان) سبق الحروب التي أكدت نظريته، وفي (مكان) يعتبر حتى اليوم عاصمة الترف الفني والزخرفي والمعماري في الكوكب.

هل هذا ينطبق على الشعر والأدب؟ أخشى أنه كذلك! هل نستطيع اليوم قراءة رواية مثل رواية الدون الهادئ أو البحث عن الزمن المفقود؟ هل نستطيع كتابة الشعر العمودي بطباقه وجناسه وبديعه وتبذيره اللغوي ومجانية البلاغات؟

نعم؛ لا شك أن لهذا النسق الكثير من المريدين، وأنا منهم في مساحاتٍ ما، ولكنني أعرف تماماً أنه خارج أنساق الحداثة والعصر الجديد، وهذا ليس مدحاً للحداثة أبداً فقد فرمتنا فرماً ولفظتنا خارج حدائق الترف وأفياء التأمل.

بالعودة إلى الزخارف والزمان القديم، حيث كنا نرى الزخارف من حولنا في كل مكان، في محطات القطار وقطاراتها المرسومة بالحديد المزخرف، في الدوائر الحكومية التي لم تكن تتنازل عن الأقواس والرسومات والمنحوتات، في الملابس واللوحات والسيارات والنصوص الأدبية، كان هذا العصر هو عصر الدعة والترف الفكري، وكان من المهين أن نتقشف في كل شيء، عكس اليوم الذي يعتبر أن الزخرفة هي هدرٌ ومبالغة لا داعٍ لها في كل شيء. وفي ذات السياق يعتبر الكثير من النقاد أن عصر الباروك كان عصراً أنانياً يخطف البصر ليشغلنا عن الجرائم المتوارية من طبقية واهتراء للطبقات الوسطى، بينما يعتبر ماريو داليوني أن الرجال الذين يرسمون وشوماً على أجسادهم خارج السجن وفي الحياة العادية هم مجرمون مؤجلون أو على الأقل أرستقراطيون منحطون!

العرب كغيرهم من الأمم، بدأوا بالزخارف اللفظية والبصرية بعد تفوقهم، فلم يقولوا: “وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ” إلا في وقت قوتهم، ولم تظهر الموشحات الأندلسية ونصوصها المترفة إلا مع بناء طليطلة وغرناطة وقصور قرطبة.

في زيارة قديمة لمتحف الأرميتاج، كان معي صديق يزوره -مثلي- لأول مرة، قال لي حينما خرجنا: دعنا نجلس أرجوك.. انا متعب من كثرة الزخارف والجمال!

حصل الأمر نفسه في أحد المهرجانات الشعرية حينما ألقى أحد فحول الشعر العمودي قصيدة فيها من البلاغات والمجازات والرطانات والهبوط والصعود والنتوءات ما لم يحتمله أحد الأصدقاء الشعراء “المتخففين” فهمس لي: لو استمر صاحبنا دقيقتين زيادة لوقع علينا السقف!

في رواية طريفة للغاية اسمها “الرحلة العجيبة للفقير الذي ظلّ حبيساً في خزانة ايكيا”، كتبها الفرنسي رولان بيرتولاس، يحكي عن رحلة عجائبية لرجل انتقل داخل خزانة من ثقافة إلى ثقافة ومن معمار إلى معمار ومن حياة إلى أخرى، لكنه في الحقيقة يمرر رسائل داخل تلك الطرافة المدهشة حول انتقال العالم من مذهبّات المهراجا إلى أثاث ايكيا المبالغ في حياديته وجوهره الوظيفي.

لكن هل يعني ذلك أن نظل دون زخارف ونتقشف بالجمال أم أن الأمر انتقل من مساحةٍ إلى أخرى؟ هل هذا يعني أن عمدان العذارى الست “الكارياتيدات” أصبحت أضحوكة اليوم؟ لا بكل تأكيد، إنما في هذا العصر الوظيفي جداً ستجد تلك الأعمدة آلاف الانتقادات، ولو شارك بها صاحبها في مسابقة لتصميم مبنى كبير، لن يفوز ولن نراها في حياتنا أبداً!

في الختام، هنالك حراك جاد لإيجاد منطقة وسط بين وحشية الحداثة وطوباية الكلاسية، وهنالك ردة “عنادية” لا يمكن الإشاحة عنها باتجاه العمود الشعري والزخارف الباروكية والأعمدة ذات التيجان رغمت أنوف الحداثيين والحداثة. ولأن الإنسان مشبع بفهم محيطه وإيجاد الحلول له حتى دون أن يمتلك أدوات التنظير، فنحن نشهد موجة جديدة من المباني واللغة التي تمزج بين الكلاسيك والحداثة، وسنشهد -دون أدنى شك- المزيد من حركات التمرد على ايكيا والمباني الزجاجية وقصائد الحلزون معاً.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.