إقرأ أيضاً
الذي قدم قطاع غزة وسكانه إلى إسرائيل هو حركة حماس. وهذه إجابة مقتضبة على سؤال الزميلة العزيزة ابتهال الخطيب الذي طرحته في مقالها في هذا الموقع.
ومثل أي تنظيم إرهابي فإن ما هو متوقع من حماس هو أن ينفذ مقاتلوها هجمات مسلحة ثم يسارعون إلى الاختباء وسط السكان، لتقوم الجهة التي تعرضت للهجوم بمهاجمتهم وقتل المدنيين الذين يتحصنون خلفهم أو بينهم. هنا يخرج التنظيم للعالم شاهرا سيف حقوق الإنسان والإنسانية والمواثيق الدولية و.. و ..الخ التي لا تحضره ولا يتذكرها وهو ينفذ هجماته أو يقوم بقتل مخالفيه.
هذا سيناريو معروف وهو يتكرر في غزة وفي غيرها من مناطق العالم بأشكال وصيغ مختلفة.
ولرب سائل يسأل وأين تريد أن يذهب المسلحون أو يختبأوا إذن؟ وهذا هو السؤال الخطأ. السؤال الصحيح هو لماذا يقومون في الأصل بالهجمات والأعمال المسلحة؟ من دون هذه الهجمات لا لزوم للاختباء ابتداء.
ويمكن أن نضيف لذلك السؤال سؤالا آخر وهو :لماذا تلجأ التنظيمات الإرهابية إلى العنف والقتل لتحقيق غاياتها؟
بالطبع هناك من لا يقتنع بالسياسة ولا يريدها ولا يرى فيها وسيلة ناجعة أو مفيدة لحل النزاعات والمشاكل بين الدول أو الجماعات البشرية المختلفة. ولذلك فهو يفضل الرصاص والسلاح بدلا عنها.
المشكلة أن هذا البعض حين يكون في مقدوره أو متناوله أن يقتل أو يخطف أو يستضعف الآخرين فلا مشلكة لديه، ولكن حين يواجه بقوة أكبر منه وأعظم يبدأ في الصراخ طالبا الحلول السياسية وتدخل السياسيين للفصل بينه وبين من يواجههم!
وهذا أيضا سيناريو معروف وهو يتكرر في غزة وفي غيرها من مناطق العالم بأشكال وصيغ مختلفة.
لو كانت حماس تهتم للمدنيين، بخلاف استخدامهم في الدعاية والتوظيف السياسي، لكانت أعلنت منذ الأيام الأولى للقصف الإسرائيلي على قطاع غزة – ومن باب قطع الطريق على الرواية الإسرائيلية – أنها تتخلى عن حكم القطاع وتسلمه للسلطة الفلسطينية أو لأي جهة فلسطينية أخرى، بل أكثر من ذلك كانت أعلنت التخلي عن السلاح وسعت لصفقة تشمل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم في مقابل خروج مسلحيها وقادتها بأمان من غزة.
لو فعلت ذلك لقلنا إنها بالفعل حريصة على تجنيب المدنيين والعائلات الفلسطينية أهوال الحرب وإنها تستحق الاحترام لتصرفها النبيل.
للأسف التنظيمات الإرهابية لا تفعل ذلك وهي لن تفعله لأنها ببساطة تعتبر المدنيين جزءا من المعركة وموتهم يخدم “القضية” التي تقاتل من أجلها. ألم يقل رئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل إن الروس والفيتناميين والجزائريين قدموا تضحيات بالملايين من أجل أن يتحرروا والفلسطينيون ليسوا أقل شأنا منهم (مقابلة مع قناة العربية 19 أكتوبر 2023).
ما قاله خالد مشعل ليس غريبا أو منبت الصلة عن ثقافتنا العربية والإسلامية.
في الواقع أن الإنسان في منطقتنا لا قيمة له تقريبا، ويمكن التضحية به في الحروب وفي الأزمات وفي كثير من الأحيان بصورة تكاد تكون مجانية. وليس من باب الصدفة أن بعض الزعماء العرب تحدثوا عن استعدادهم للتضحية بالملايين من شعوبهم، إن لزم الأمر، سواء في حروبهم أو مغامراتهم، وبعضهم فعلها على أرض الواقع.
ومن ينظر إلى الحروب الأهلية والأزمات المستمرة في العراق وسورية وليبيا والسودان واليمن على سبيل المثال، لن يعدم نماذج على ما نقول.
الأمر المحزن حقيقة والصادم على نحو خاص هو المقارنة بين ما يقوم به أهالي المختطفين الإسرائيليين لدى حماس من تحركات وتظاهرات مستمرة داخل إسرائيل وخارجها وأمام مقر الحكومة والانتقادات التي توجه لرئيسها بنيامين نتانياهو، وبين ردة الفعل التي يبديها الفلسطينيون على قتل أفراد من عائلاتهم في الضربات الإسرائيلية والتي يمكن تلخيصها بتلك الكلمة المعروفة “الحمدلله”.
وكلمة “الحمدالله” رغم طابعها الديني ورمزيتها وكذلك أهميتها بالنسبة للمؤمنين، إلا أنها تعكس حالة نفسية غريبة وغير طبيعية جديرة بالدراسة والتأمل، وهي تترجم مستوى مدقعا من العجز وانعدام القدرة على الفعل. وهذا العجز ليس سببه فحسب جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية ولكن كذلك القمع والإرهاب الممنهج الذي تمارسه حركة حماس على سكان قطاع غزة. فإن هم احتجوا على ما يحدث لهم، وهو أمر ليس لهم فيه ناقة أو جمل، فان مسلحي حماس لهم بالمرصاد، وإن أفلتوا من هؤلاء اشتغلت عليهم آلة حماس الدعائية الضخمة المددعومة من قناة الجزيرة ورمتهم بالتخوين واتهمتهم بالعمالة لاسرائيل وما شابه ذلك.
قصارى القول إذن هو أن حماس وعبر هجومها على إسرائيل خلقت السياق الذي تتم فيه هذه الحرب بكل فصولها البشعة وهي جزء أصيل في هذه الأزمة، ولا يمكن مطالبة إسرائيل بإيقاف حربها على القطاع من دون إيجاد حل لمشكلة مسلحي حماس. إذ لا توجد فضيلة في تجربة المجرب سوى أن عقل صاحبها هو على الأرجح مخرب.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.