skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
اختراق الجدران وأدوات الهدم
pexels-sabine-fischer-19052546
جودية سامي
December 30, 2023
تعبيرية/ Photo by Tingey Injury Law Firm on Unsplash
جودية سامي -

ما القانون إلا كتلة من القواعد، تدين بوجودها إلى المجموعات البشرية التي ارتأت أن تنظم شؤون حياتها بشكل يضمن أن لا يتغول الممارسون لحقوقهم وحرياتهم على الآخرين الممارسين لحقوقهم وحرياتهم من جهة، وأن تعظّم منعة وقوة الجماعة في مواجهة الجماعات الأخرى التي تحيط بها. ويقوم القانون بدور مهم في حماية هوية هذه الجماعة، فتجده ينظم فيما ينظم شؤوناً لها علاقة بالتراتبية داخل الأسرة، وداخل المجتمع، بشكل يحمي ما هو بالنسبة لضمير الجماعة؛ النظام العام والآداب العامة. التطور المرحلي القانوني الأول والأهم هو الانتقال من القانون الطبيعي إلى القانون الوضعي، الذي أنشأ مفهوم الدولة الشرعية او دولة سيادة القانون، ما عنى بالتدريج الانتقال نحو دولة لا يصدر من سلطاتها أي عمل غير متصل بقانون ما، وضامناً لتنفيذه.  

التشريع واحد من صور القانون التي تجمع بين دفتي كتاب، ولكن حياة الأفراد تنظمها قواعد أوسع من التشريع فقط، كالعرف والعادة، والقواعد غير المنطوقة. فأنت لا تحتاج لنص مكتوب يخبرك بما هو مقبول وما هو مرفوض في مجتمعك. وما صراع الأجيال إلا تجلٍّ لتشويش ما في تواصل مفهوم النظام العام والآداب العامة بين الأجداد والأحفاد. كان من غير المتصور في الأردن أيام نشأته أن يخرج الرجل حاسر الرأس، بل أن مسؤولاً في عشرينيات القرن الماضي ما وجد أنه مضطر أن ينظم خطاباً موجهاً للموظفين العامين مستهجناً هذا السلوك الخارج على العرف والعادة، واليوم من النادر أن تجد موظفاً عاماً يرتدي عمة أو غترة أو شماغ. خلاصة الأمر أن القانون كائن حي، خلقته الظروف الموضوعية والمادية لشعب ما، ونمى وتطور وفقاً لتطورات وتغيرات المجتمع، وهو أداة لتنظيم حياة الناس، وحماية حقوقهم وقيمهم الجمعية، وهو–إذا ما تخيلنا الدولة شخصاً- أهم العوامل التي ترسم شخصيتها، داخلياً وخارجياً.

يفرض مبدأ سيادة القانون سيطرته على الحكومات، ضامناً معاملة كافة المواطنين بالمثل، حيث يخضعون لحكم القانون وليس لإرادة الأقوى، ولا تكون سيادة القانون إن لم تكن تجسيداً لمفهوم العدالة التي تضمن معاملة متساوية بين الناس، مطبقة بإجراءات معيارية تفصل في الخصومات؛ تشريعاً يأخذ الدولة وأفرادها للمستقبل، لا الماضي ضمن أساس أخلاقي مشترك تراه ممتداً في كافة قوانينها كخيط ذهبي. يتطلب مبدأ سيادة القانون توفير حماية متكافئة للحقوق الفردية والجماعية ولا يرتبط بمدى اتساق القوانين مع المفاهيم الأخلاقية كالحق أو العدالة وحسب، بل يتعلق بكيفية تفاعل النظام الحاكم مع القانون. فكما قالت العرب قديماً: “الظلم بالسوية عدلٌ في البَرِيَّة”. فإن دولة ما قد لا تكون ديمقراطية أو قد لا تحترم حقوق الإنسان التي اتفقت عليها الأمم المتمدنة، ومع ذلك تقوم على مبدأ سيادة القانون، وقد ينطبق هذا على العديد من الديكتاتوريات المعاصرة كالصين مثلاً.

في إعلان الحقوق عام 1610، عرج رئيس المحكمة البريطانية العليا في خطابه على مفهوم سيادة القانون، وقال مقتبساً اللورد هنري دي براكتون: “إن الملك نفسه يجب أن لا يكون خاضعاً لإنسان، ولكن أن يكون خاضعاً لله وللقانون، لأن القانون يجعله ملكاً”. إن مبدأ سيادة القانون خطوة أساسية وأولى نحو حلم الديمقراطية. فلا يستقيم الحديث عن إصلاح سياسي وتمكين ديمقراطي في أركان الدولة، دون أن يسبق ذلك إصلاح لمنظومة العدالة، إصلاحاً يضع أسساً لحياة سياسية ناهضة. ولا يتصور الحديث عن إصلاح سياسي دون فصل وتوازن بنماذجه الدستورية والفكرية المتنوعة باستخدام أدوات القانون. وتكتمل الدائرة بفصل مرن للسلطات يتمم دائرة متكاملة في تعزيز حكم القانون. ويحمي هذا الفصل من تحول السلطة التقديرية، التي تكون مبررة في العديد من الحالات، إلى سلطة تعسفية تنحرف عن غايتها الأصلية وتتجاوز الحدود المرسومة لها، إلى ما مؤداه خرق القانون الذي أعطى هذه السلطة ابتداءً وانتهاك الحريات التي انطلق ليحميها وينظمها. ولا يكون هذا الفصل ممكناً دون قضاء مستقل، وقاضٍ مستقل، مفهومان متكاملان ومتلازمان لصيانة مبدأ الشرعية. على هذه المبادئ يبنى نظام العدالة الناجزة، نظام تسمع فيه دعاوى الأفراد بإنصاف، بصورة علنية، وفي زمن معقول أمام محاكم مستقلة محايدة. نظام عماده الأول الأخلاق، مركز تصميمه الإنسان، وغايته إشاعة الإنصاف. ودولة القانون التي تهدف إلى إشاعة العدالة العامة ومجابهة الفوضى والتعسف، تتجاوز مفهوم حكم القانون الأساسي، وتتعدى الشرعية مجرد التشريعات لتشمل النظام القانوني بأكمله، الذي يهدف إلى ترسيخ هرمية قانونية شاملة ومتكاملة، قائمة على مبدأ تسلسل القواعد القانونية من الأعلى إلى الأدنى، ما يضمن التكامل والتناغم بين جميع مستويات وفروع القانون في حماية الحريات الأساسية وصون الفصل والتكامل السلطوي.

أين نقف اليوم من سيادة القانون؟ تتسابق دولنا العربية في سن القوانين ووضع السياسيات التي تبدو في ظاهرها متوائمة مع أفضل الممارسات، لكن هل يشعر العربي بأنه يعيش في دولة قانون؟ أو يشعر وهو يدخل إلى قصر العدل أنه في حضرة العدل؟ تقبع الدول العربية على أدنى سلم حقوق الإنسان العالمية، على اختلافها واختلاف آليات فحصها وتقييمها للدول. ولنأخذ أي هذه المؤشرات على سبيل المثال، موشر حرية الإنسان HFI لعام 2022. من بين 165 دولة يقيِّمها معهد كاتو تحتل الدول العربية قاع المؤشر، الأردن أفضلها في الموقع 108، وتتوالى الدول العربية تباعاً إلى نهاية القائمة. وحتى أفضلها “الأردن” لم ينجح في أن يتخطى حاجز السبع نقاط في أي من السنوات السابقة على اختلاف تحدياتها. ولن يكون مفاجئاً للقارئ أن أدنى التقديرات كانت في معياري سيادة القانون، وحريات المجتمع المدني من حرية في التجمع والتعبير عن الرأي واعتناق المعتقد. الخلل ليس في منظومة التشريع بشكل مباشر، على ما فيها من اختلالات جلية تستوجب بحثاً مستقلاً، ولكن الظلم لم يكن في السوية تماشياً مع العرف العربي، ولم يتحقق بهذا الظلم العدل في البرية.

ولا يستطيع القانوني أن يغفل أن العامل السياسي والأمني هما الأقوى في معادلة استقرار العالم العربي، ولا ينظر إلى القانون إلا كأداة لخدمة هذين العاملين. لذلك تجد التشريعات المتعلقة بالتعبير عن الرأي مثلاً تعتنق فلسفة أمنية مفادها أن التعبير عن الرأي واعتناقه من جمع من الأفراد يخلخل الاستقرار، ويبث النعرات الفئوية والطائفية والعنصرية. تجد العقوبات على التعبير بمنشور سياسي مثلاً أقسى من تلك على تمرير لفافة حشيش لسمير في جلسة كيف. يخشى العقل الأمني العربي من تجمعات الأفراد، وصار يخشاها بشكل أكبر بعد ثورات الربيع العربي، وأي نظام لا يقلق من احتمال توسع اضطراب ما ليصل إلى مرحلة تهديد استقراره وثباته. يخشى على اقتصاده، وعلى ثباته وعلى أمنه فيضيّق الدائرة أكثر فأكثر على كل ما يمكن أن يغير الوضع الراهن “الثابت في مكانه”، بينما العالم يتقدم إلى الأمام. هذا الثبات المدفوع بالخوف يهدم أكثر مما يبني، ويؤثر بشكل أو بآخر تأثيراً عكسياً على كل ما من شأنه ضمان الاستقرار على المدى الطويل. إن ضخ دماء جديدة في عروق مؤسسات الدول لا يعني شيئاً إذا ما كانت آلة الدول صدئة مهترئة، اهتراءٌ مرجعه ذلك الخوف من التغيير، التمسك بالقديم “المجرب” وإن أثبت فشله وقلة ديمومته، وضعف الإيمان بمفاهيم العدالة وسيادة القانون بمعناها الواسع.

عالمنا العربي الشقي بجغرافيته وتاريخه لايحتكم إلى سيادة القانون بل إلى السيادة بالقانون. بينما الأولى تعنى بمركزية المبادئ التي تخضع جميع الدولة، بما فيها سلطتها الحاكمة للقانون العلني المعروف الحدود والفلسفة والغايات، وتحمي حقوق الأفراد ضد تعسف السلطات، السلطات التي تتمتع بفصل وتوازن، وتضع قوانينها بطريقة تمثل روح المجتمع وقيمه التي التفّ حولها، يعرف المواطن والمقيم في دولة تتمتع بسيادة القانون، يعرف فيها الأفراد والجماعات بشكل واضح ناف للجهالة، حدود المباح والممنوع في مواجهة بعضهم البعض، وفي مواجهة المؤسسة الرسمية. بينما في اللاحقة، يستخدم القانون كأداة للسلطة، تكون فيه الحكومات والمؤسسات الرسمية فوق القانون، او قد تطبقه انتقائياً لحماية ذاتها، لا لحماية الصالح العام. قال فيلسوف معاصر: “عندما تخترق السياسة جدران القضاء، يصبح القانون مجرد أداة”. وربما أمسك أن يقول: ..أداة للتدمير من حيث تحسب التحصين.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.