إقرأ أيضاً
جاء تصريح سمو وزير الخارجية السعودي بمؤتمر دافوس ليضع النقاط على الحروف، حيث شدد على أهمية أن توقف إسرائيل حربها العنيفة ضد الفلسطينيين، معتبرا أن استمرار المعاناة في غزة سيؤدي إلى حلقات من التصعيد، ومشيرا إلى أن هجمات البحر الأحمر متصلة بالحرب في غزة، مذكرا بأن ما تفعله إسرائيل بحق الفلسطينيين يُعرض أفاق السلام والأمن الإقليميين للخطر، ولاسيما من بعد أن فاق عدد القتلى من المدنيين حاجز الثلاثين ألفا، معربا عن بالغ قلقه إزاء الأمن الإقليمي وحرية الملاحة في البحر الأحمر، ومطالبا بأن تكون الأولوية حاليا لخفض التصعيد في الممر المائي والمنطقة بأكملها.
وواقع الحال فلا أظن أن أحدا سيخالف فحوى ما قاله الأمير فيصل بن فرحان، وحتى الإدارة الأمريكية التي في قرارة نفسها وبعيدا عن دعمها السياسي لإسرائيل، تدرك أن عقدة المنشار تكمن في سياسة حكومة إسرائيل العدوانية، ورفض سياسييها برئاسة نتنياهو لمبادرات السلام، بل وعدم إيمانهم الجوهري بفكرة التعايش السلمي مع الفلسطينيين والعرب بشكل يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة على أقل تقدير، وبالرغم من إيمانهم بذلك، لكنهم يتغافلون عن لوم إسرائيل بحكم انتماء معظم سياسييهم للصهيونية العالمية، تلك التي شكلت عمود ارتكاز قوة دولة إسرائيل في العالم، والسؤال: إلى متى سيستمر هذا الدعم الكلي للسياسات الإسرائيلية في المنطقة؟ وهل سيكون لإسرائيل موضع قدم في الشارع العربي من بعد مجازر طوفان الأقصى؟
حتما الأمر لن يكون على سابقه، فالممانعة الشعبية ضد الوجود الإسرائيلي في المنطقة باتت أكثر من قبل، بل إن مجازرهم في غزة وإمعانهم قتل المدنيين بحجة الحرب على حماس قد ألب عليهم الأجيال الشابة عربيا وعالميا، وصار من الصعب على أي سياسي عربي وإسلامي مستقبلا تجاوز هذه الأزمة دون الوصول إلى سلام حقيقي، واعتراف إسرائيل بحل الدولتين وفق القرارات الأممية، وبما يحقق العدل المناسب للشعب الفلسطيني.
على أني موقن بأن حكومة إسرائيل تدرك خطورة المرحلة الحالية وتبعاتها الخطيرة، لكنهم قرروا الهروب إلى الأمام، اتكالا على الدعم الغربي، ورغبة في تجاوز إخفاقهم العسكري في تحقيق أي نصر استراتيجي يوقف المقاومة المسلحة، وهو ما جعلهم يمعنون في جبروتهم وإجرامهم بحق الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية، ويكرسون تدميرهم لكل المباني المدنية في غزة، مما يزيد من غضب الشعوب، ويعطي مبررا للتكوينات السياسية والمجموعات المسلحة الممانعة للاستمرار في محاربتها للوجود الإسرائيلي، وذلك هو لب الإشكال الذي قد يكون بمثابة الشرارة التي قد تشعل البركان، وفي حينه سيلتهب الإقليم، بل والعالم بأكمله، وستكون إسرائيل وشعبها أول الهالكين.
أشير إلى أن الأزمة العالمية قد بلغت ذروتها، ومؤشرات الحرب الواسعة باتت واضحة، ومعادلات التحالف في هذه المرة مختلفة عما سبق، فالشرق لم يعد ذلك الضعيف المستكين، فيما تعيش أوروبا حالة وهن واضحة على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي وحتى التقني، ناهيك عن الجانب الاقتصادي؛ كما زادت الضغوطات العسكرية على الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تحقق أي انتصار حقيقي في غزواتها الاستراتيجية، حيث خرجت تجر أذيال الخيبة من العراق ثم من أفغانستان، ولم تحقق مكسبا في سوريا؛ وفي المقابل تتجه روسيا والصين كحليفين استراتيجيين ومعهم إيران إلى كسب نقاط عديدة في المعادلة الحالية، ذلك أن أي فشل لأمريكا يمكن أن يحسب نجاح للفريق الآخر.
هذا المشهد المضطرب والقريب من الانفجار، يتم تأزيمه يوما بعد يوم من قبل الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيسها نتنياهو الذي يعلم أن وقف الحرب سيكون بداية لهلاكه على الصعيد الشخصي، فهو مدان من قبل، واليوم سيحاكم ورفاقه لفشل منظومة الأمان الإسرائيلية، ثم لإخفاقهم في إنجاز مهمتهم بأقل الخسائر، وبأسرع وقت ممكن، على أن أسوأ ما تعيشه إسرائيل هو في تحول صورتها في الذهن العالمي من دولة ديمقراطية إلى دولة عنصرية تمارس أبشع جرائم الإبادة والتمييز العنصري بحق شعب أعزل تقوم باحتلال أراضيه منذ 56 عاما على أقل تقدير.
ولذلك نراه وفريقه يهربون للأمام برفضهم وقف العمليات الحربية في غزة، ثم بإصرارهم على توسيع نطاق الحرب خارج ما يعرف بقواعد الاشتباك المتفق عليها دوليا، وذلك باستهدافهم عناصر قيادية فلسطينية وإيرانية، وهو ما يوسع من دائرة الصراع، وكأنهم أرادوا الانتقام لعجزهم عن تحقيق أهدافهم العسكرية بالقضاء على المقاومة المسلحة في غزة، بالهروب إلى الأمام، في مشهد سريالي مجنون نتيجته ستكون دمارا على المنطقة والعالم.
على أن كل ذلك يمكن أن ينتهي ويتوقف بقرار أمريكي أوروبي صارم، يفرض على حكومة نتنياهو التوقف عن إهلاك العالم طالما أنه هالك، ويفرض عليهم قبول حل الدولتين، لتدخل المنطقة في سلام، وتزدهر المشاريع التنموية التي يمكن أن تجعل الإقليم محط أنظار العالم تنافسيا، فهل يتحقق ذلك؟
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.