إقرأ أيضاً
على سفري المتواصل، نزلت في الفنادق أكثر مما نزلت في “منزلي”، وصرت أعرف من الرائحة والصابون المستخدم على المغاسل، ماذا يجري في الغرف الخلفية وكواليس هذا الفندق وفرقها عن ذاك، وأحب الفنادق جميعها، من فندق ذي النجمة الواحدة، لفندق “السفن ستار”، إذ أن هوية وملامح أي مكان، هي قراءة أولية لا يمكن لدلالاتها أن تصل بك أبعد مما يتعامل في داخلك وأساليب علاجك وترجمتك لما حولك.
من المكسيك لسيؤول ومن جوهانسبرغ إلى أوسلو، يرتبط الفندق بفكرة “اللامكوث” وهي فكرة مخاتلة على كل حال، وبالتالي؛ لا يمكن لنا تقدير عراقة المكان إلا من ضيوفه أو إطلالته وموقعه الجغرافي، ولكن لا.. لم ينته الأمر هنا، ثمة فنادق تستمد قيمتها من بعدها الفلسفي والفني، ولا شك أن THE WALLED OF HOTEL واحداً منها!
من المُعتاد أن تتباهى الفنادق حول العالم بإطلالاتها الساحرة، كأن تُطل على جُزر الهاوي أو المالديف أو تكون في مانهاتن أو الشانزليزيه أو تشف لك عن أي مشهد خلّاب في مدينة ما، أما أن يتباهى فندق بأنه صاحب أسوأ إطلالة، فذلك ما لم يحدث قبل ما فعله بانكسي، الذي يتباهى بفندقه الأسوأ والذي سماه “THE WALLED OF HOTEL” أو “الفندق المحاط بالجدار”.
يبدو الأمر وكأنما بانكسي هو صاحب أكبر جعبة للمفاجآت في العالم، ففي الشهر الثالث من عام 2017 وبعد أربعة عشر شهراً من عمليات بناء الفندق، التي حدثت سراً، استيقظ سُكان بيت لحم على حدث افتتاح الفندق صاحب أسوأ إطلالة في مدينتهم، ومن الجدير بالذكر أن غرفه العشرة كانت محجوزة مُسبقاً لأشهر منذ افتتاحه.
اعتمد الفنان البريطاني، مجهول الهوية والمعروف باسم “بانكسي”، على موهبته الرائعة في أن يُحول قباحة الجدار العنصري الذي تبنيه اسرائيل حول الضفة الغربية إلى شيء جميل، ولذلك فإن قضية الفندق هي بالدرجة الأولى قضية سياسية، وقضية فنية، قبل أن تكون قضية جمالية، فأما إطلالته، التي يتباهى بها، فهي تبعد أمتار قليلة عن الجدار، بينما تطل غرفه العشر المعدة لاستقبال الزوار على كل من مُخيم للاجئين والجدار طبعاً ومستوطنات إسرائيلية.
وأما عن داخله، فقد اعتمد بانكسي، على إظهار الواقع الفلسطيني من خلال أعماله الفنية التي دمجت بين كاميرات المراقبة، المنتزعة من الجدار من قبل شُبان الانتفاضة الفلسطينية، والجنود ببنادقهم والشظايا والقنابل المسيلة للدموع، وما بين الفن.
ففي قاعة استقباله تجد خزانا للمياه مثقوباً برصاص الاحتلال وقد استغل بانكسي ذلك لكي يجعل من ثقوبه تلك “نافورة” مياه، وهو يشير إلى إطلاق جنود الاحتلال النار على مياه الفلسطينيين لحرمانهم منها في أكثر من مناسبة.
كما صُممت غرفه الداخلية لتُشابه معسكرات الاعتقال، وثكنات الجنود، بينما يستقبلك في قاعة الاستقبال “بلفور” شخصياً، إذ قام بانكسي بنحت تمثال من الشمع لبلفور وهو يوقّع على وعده الشهير الذي مَنح من خلاله فلسطين للإسرائيليين.
بينما ترتسم فوق أسرته “الفخمة” صور لجنود إسرائيليين يُصارعون شبان الانتفاضة الفلسطينية بالوسادات ذات الريش؟!
وفي ردهاته تجد لوحة لزهرة خلف القضبان أو تمثالا يرتدي كمامة وقد ألقيت بجانبه قنبلة مسيلة للدموع.
في حقيقة الأمر لو خيرتني اليوم أن أقضي يوماً في فندقٍ ما حول العالم، لما تمنيت أكثر من قضاء ليلة أطل بها على جدار العزل هذا، أنا بحاجة للإحساس الحقيقي بما يجري هناك، ولتمنيت قطعاً أن يعرف هذا الفندق وينزل به “جنرالات” الحروب ليعرفوا كم هي هزلية تلك المآسي ولعلهم يتأملون لوحة الجنود وهي ترمي بعضها بـ”مخدات” الريش بدلاً من الرصاص.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.