إقرأ أيضاً
لم نكن بحاجة إلى مشاهدة الدراما التلفزيونية في محاولة اغتيال المرشح الجمهوري دونالد ترامب لندرك مرض الديمقراطية الأمريكية. أنها مريضة منذ سنوات، لكن لا أحد من أطباء السياسية ينصح بنقلها إلى المصحة. وبعد ما يبدو وكأن الولايات المتحدة مقبلة على أسوأ انتخابات رئاسية طبعا ومزاجا على الإطلاق، ثمة أشياء سخيفة هزت العالم وجعلت منه مكانا مخيفا ومربكا في الوقت الحالي.
محاولة اغتيال ترامب تعني أن هناك نزاع حقيقي داخل الديمقراطية الأمريكية. إنها أعراض مرض الفوضى وليس جدلا يعبر عن صحة الديمقراطية كما تريد بعض وسائل الاعلام الإيحاء بذلك، بيد أنها تفشل في الدفاع عن أقدم الأفكار الديمقراطية عن “الحلم الأمريكي” لأن هناك أعراض باينه للعالم على الولايات المتحدة المريضة بديمقراطيتها، بعد أمريكا المنكسرة بغطرستها. وطبيعة الخلاف بين الجمهوريين أنفسهم ومع الديمقراطيين لم تكن منسوجة بأحكام هذه المرة. فعندما يتراجع المركز الأخلاقي للحضارة تسقط الأمم.
ذلك ما أفصح عنه السيناتور الجمهوري جي دي فانس، أحد المرشحين المحتملين على البطاقة الانتخابية لترامب، إن “الأمر لا يتعلق اليوم بمجرد حدث منعزل. الفرضية الأساسية لحملة جو بايدن هي أن الرئيس دونالد ترامب فاشيّ استبدادي يجب إيقافه بأي ثمن. وقد أدى هذا الخطاب مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترامب”.
مع ذلك فأن تلك المحاولة التي لم تصل إلى أكثر من قطرات الدماء على خد ترامب، جعلته يفوز مسبقا في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة.
منذ سنوات، أصبح ترامب بطلا شعبيا بين أنصاره لمحاربته للمؤسسة الحاكمة. ومن السمات المشتركة بين العديد من الأبطال الشعبيين أنهم يهربون أو ينجون من الأسر أو العقاب أو الموت. ومن خلال نجاته من محاولة اغتياله، تنمو أسطورة ترامب من جديد بين أتباعه.
وفي أعقاب محاولة الاغتيال، يتهم الجمهوريون وسائل الإعلام بخلق جو جعل العنف أمرا لا مفر منه. ومن بين الأدلة المتداولة على نطاق واسع في هذه الحجة غلاف مجلة “ذا نيو ريبابليك” في حزيران، الذي يصور ترامب بشارب هتلر فوق العنوان الرئيسي الذي يعلن “الفاشية الأمريكية” بخط أحمر يذكرنا بالرايخ الثالث. فأين نجد الديمقراطية بعد مطالعة محتوى هذا الغلاف؟
مع ذلك يعبر ديفيد فايرستون نائب رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز عن أمله بنجاة الديمقراطية الأمريكية من الهجوم السياسي، فأعمال العنف السياسي تهدف إلى إراقة الدماء، ولكنها في كثير من الأحيان أكثر من ذلك. فبعضها عبارة عن انفجارات من الغضب أو الكراهية؛ وبعضها الآخر، مثل إطلاق النار على الرئيس رونالد ريغان في عام 1981، هو نتاج لمرض عقلي. ولكن الدافع الدقيق لهذه الأعمال عادة ما يكون أقل أهمية من الشعور الجماعي بأن نسيج الحضارة قد تمزق مرة أخرى.
إن أولئك الذين عاشوا الاغتيالات السياسية في ستينيات القرن العشرين، والذين غطوا الإرهاب المحلي في العقود التي تلت ذلك في الولايات المتحدة، لا يمكنهم أن ينسوا الشعور باليأس الذي كان يعقب كل طلقة نارية أو انفجار. وسواء كانوا متعمدين أو غير متعمدين، فإن أولئك الذين يرتكبون هذه الأفعال يرسلون تحذيراً مفاده أن أي زعيم ليس في مأمن، وأن السياسة عديمة الفائدة، وأن القوة الحقيقية الوحيدة تكمن في الأفعال الشخصية التي تسفك الدماء.
كذلك كشف محاولة اغتيال ترامب بشكل لا لبس فيه أن العنف الأمريكي والغطرسة على الأخر البعيد جدا، يمكن أن ينعكس داخل الولايات المتحدة، فيتحول “الاستياء” بدلاً من “المظالم”. المظالم تتعلق بالأشياء التي تعتقد أنك تستحقها، وقد تتضاءل إذا حصلت على بعض ما تريد. ويتعلق الاستياء بالشعور بأنك تُحتقر، ولا يمكن تهدئته إلا من خلال إيذاء وقتل الأشخاص الذين تحسدهم، على مستوى ما.
تلك الصورة تعبر عن أحد أعراض أمريكا المريضة التي صار يتم فيها تبادل لعبة سياسية قديمة لجعل الخصوم ضعفاء وأغبياء بعضهم البعض. لعبة “الديمقراطيون مهتمون جدا بإهانة الجمهوريين، بينما يعمل الجمهوريون بكل ما أوتي لهم من ازدراء سياسي في إذلال الديمقراطيين”.
مع ذلك فأن المرض الأمريكي لم يقترن بحقبة ترامب ولم تظهر أعراضه الواضحة في سنوات جو بايدن المستمرة، بل هو من شروط التاريخ على دولة عظمى كالولايات المتحدة. تلك الفرضيات التي بدأ يرسمها عالم متغير من الاتحاد الأوروبي حتى روسيا والصين.
وكثيرا ما يقال إن السياسة الأمريكية في قبضة قوى الظلام التي يغذيها التلاعب السياسي والتكنولوجيا العملاقة حيث إن المعلومات المضللة تقوض الديمقراطية.
فاذا كانت سنوات ترامب في البيت الأبيض هزت الولايات المتحدة بطريقة غير مسبوقة، وجعلت العالم يتأمل وهن الديمقراطية، فأن ما ينتظر العالم بما سيحصل في الولايات المتحدة مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، يمكن أن يكون أحد أنواع الذعر السياسي. فترامب هو “أحد أعراض الاضطرابات الأمريكية وليست سببا له” كما كتبت جيليان تيت في صحيفة فايننشيال تايمز.
وقالت “إن ترامب خسر بصفة خاصة عندما صاح كطفل عنيد: لدي الأجواء الأفضل ولدي القوة على أن أصبح الفائز هنا”. لكن محاولة اغتياله منحته صك الفوز المسبق، لتصبح القضية في الديمقراطية الأمريكية سأفوز بالانتخابات لأن بيدي أو بيدي منافسي البندقية!
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.