skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أردوغان، أول الخاسرين من حرب غزّة الأخيرة 
Emad
د. عماد بوظو
December 19, 2023
ارشيفية/ الموقع الرسمي للرئاسة التركية
د. عماد بوظو -

رغم أنه مازال من المُبكّر إعطاء أحكام نهائية حول نتائج حرب غزة الأخيرة ولكن هناك مجموعة من الحقائق التي تمّ تأكيدها، منها أن هذه الحرب هي الأطول في تاريخ إسرائيل وقد تكون الأكثر عنفاً ودموية، ومنها أن بيانات إنتصارات حركة حماس التي تردّدها بعض وسائل الإعلام العربية بعيدة تماماً عن الواقع رغم ميل الجمهور العربي لتصديقها، ومنها أن موقف حكومات وشعوب الشرق الأوسط كان أقل تعاطفاً مع حركة حماس من الحروب السابقة وتظاهر ذلك في إرتفاع غير مسبوق لأصوات كثيرة ومؤثّرة تُحمّل حركة حماس مسؤولية الخسائر البشرية والمادية الهائلة لهذه الحرب، أمّا من الناحية الإقليمية فقد كان اللافت في هذه الحرب إرتباك وتناقض الدور التركي بين خطابات أردوغان الناريّة في الداخل التركي ضد إسرائيل وبين المصالح الإقتصادية التي دفعته للمحافظة على علاقات تركيا الخارجية بما فيها علاقتها مع إسرائيل. 

فقد كانت حروب غزة السابقة مناسبات يحرُص أردوغان على إستغلالها لإلقاء خطاباته الحماسية المليئة بمشاعر الكراهية ضد إسرائيل ودول الغرب، كما كان يرى فيها مناسبة للهجوم على الأنظمة العربية المعتدلة لكي يقدّم نفسه كزعيم للعالم الإسلامي، وكان الإسلاميون العرب يروّجون لخطاباته تلك لأنها تعكس رؤيتهم والكراهية التي يحملونها ضد ثقافة العصر ومفاهيمه، بل كانوا يعزون لمواقف أردوغان دوراً في الإنتصارات المزعومة لحركة حماس بعد كل حرب من الحروب السابقة. 

أمّا في حرب غزة الأخيرة فقد غاب الدور المعتاد للرئيس أردوغان حتى أن قادة حماس الذين شكروا في خطاباتهم وتصريحاتهم أغلب دول الإقليم لم يأتوا على ذكر تركيا، لأن الوساطة حول الهدنة وتبادل الرهائن مع المعتقلين كانت تتم بالتنسيق بين الولايات المتحدة وقطر ومصر، ومفاوضات فتح معبر رفح تتم مع مصر، وطلب التدخّل العسكري لنصرة حماس كان حصراً من إيران وميليشياتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، والضغط على المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار كان الدور البارز فيه للسعودية والأمارات العضو في مجلس الامن الدولي، حتى أن خطاب إسماعيل هنية بعد إتفاق الهدنة المؤقّت في شهر نوفمبر الماضي والذي شكر فيه الكثير من الدول والقادة لم ياتي على ذكر أردوغان وتركيا، وأعقب ذلك في نفس الفترة إلغاء زيارة الرئيس الايراني لتركيا دون تقديم أسباب لذلك، وقد تساعد العودة قليلاً إلى الوراء في معرفة أسباب تغيّر مواقف أردوغان مؤخّراً.  

فقد قضى أردوغان العقد الأول من حكمه المديد في التركيز على الإقتصاد وبنى خلاله علاقات حسنة مع مختلف دول العالم حتى تمّ إطلاق عبارة “صفر مشاكل” لوصف علاقات تركيا الخارجية، وفعلاً تحسّن الإقتصاد التركي خلال تلك الفترة وإزدهرت السياحة وعدّة صناعات محلية، ولكن في العقد الثاني من حكم أردوغان تغيرت أولوياته وأصبح هدفه الوحيد البقاء في السلطة عبر التلاعب بالنظام الديمقراطي وتعديل الدستور وتطلّب ذلك التضييق على الحريات وإعتقال وفصل من العمل لعشرات آلاف الأتراك بذرائع مختلفة، مما أدّى إلى خلافات مع دول الغرب ومنظمات حقوق الإنسان، وهنا ظهرت النسخة الثانية من أردوغان الغاضب صاحب الخطاب المُعادي لحلفاء تركيا التقليديين في الغرب وشركائها في حلف الناتو والمعادي كذلك لأغلب حكومات دول الشرق الأوسط بحيث لم يبقَ أمامه سوى تحسين علاقاته مع الأنظمة الإستبدادية في روسيا وإيران رغم أن التاريخ التركي مليء بالصراعات والحروب مع هاتين الدولتين. 

وبرز في نفس الفترة أردوغان كحامي حمى المسلمين المقيمين في الغرب، فبنى المساجد والمدارس الدينية وأرسل الائمّة الذين يروّجون لوجود عداء تاريخي بين الإسلام والمسيحية وعبّر عن ذلك في الداخل التركي عبر الإحتفالات التي كان يقيمها عند تحويل الكنائس إلى مساجد وكان آخرها وأكثرها أهمية كنيسة آيا صوفيا الشهيرة وتصوير ذلك كإنتصار للمسلمين، فتدهور وضع الإقتصاد التركي خلال العقد الثاني من حكم أردوغان وإنخفضت قيمة العملة إلى مستويات قياسية، مما دفعه لمحاولة العودة لسياسة صفر مشاكل وتحسين علاقاته الدولية قبل إنتخابات البلديات في شهر مارس 2024 والتي يتأمّل أن يستعيد فيها بلديات إستانبول وأنقرة وأزمير من المعارضة، وقد نجح في تحسين علاقاته مع بعض دول الشرق الأوسط حيث تنتشر عادة “تبويس الشوارب” والعفو عن ما مضى كطريقة تقليدية للصلح بين الزعماء رغم أن إعادة الثقة للعلاقات بين قادة هذه الدول مازال مستبعداً، بينما لم يحدث تقدّم يُذكر في علاقاته مع دول الغرب. 

وفي هذه الظروف الدقيقة بدأت حرب غزة التي وضعته في مأزق لأنه لا يريد تعقيد علاقاته الخارجية، ووجد أن الحل هو إلقاء خطابات في الداخل التركي تهاجم إسرائيل والغرب، مع المحافظة على علاقاته الإقتصادية مع هذه الأطراف، وكانت توقّعاته أن سقوط ضحايا مدنيين في غزة سيوقف الحرب كما كان يحدث في الحروب السابقة لأن أردوغان لم يقدّر تبعات ما حدث في السابع من اكتوبر على الرأي العام الاسرائيلي والغربي، وأن إيقاف الحرب دون تحقيق الكثير من أهدافها أصبح مستبعداً، فتغير موقف أردوغان حتى أصبح من الواقعيين والذي عبّر عنه بقوله “إن تركيا مستعدة لتولّي المسؤولية مع دول أخرى في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد الحرب بما فيه آلية الضامنين”، وهنا يبدو متفقاً مع الموقف الأمريكي والاسرائيلي في البحث عن طريقة إدارة مختلفة لقطاع غزة بعد الإنتهاء من حكم حماس. 

ولكن إستمرار العلاقات الإقتصادية بين تركيا وإسرائيل رغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها حركة حماس لم يمر مرور الكرام، فبعد عشرة أيام من الحرب قالت قناة اسرائيلية أن سفينة شحن تحمل 4500 طن من الخضار التركية رست في ميناء حيفا لتلبية حاجة إسرائيل بعد تضرّر مناطق زراعية خلال الحرب، ونفت الحكومة التركية علاقتها بهذه السفينة وقيل أنها تابعة لشركة يملكها تاجر تركي، وحاولت المعارضة فضح إستمرار العلاقات التجارية مع إسرائيل لإحراج أردوغان فطالبت في البرلمان بتحديد كمية وأنواع البضائع التي يتم إرسالها من تركيا الى اسرائيل، ولكن حزب العدالة والتنمية افشل هذا المقترح مما اثار تساؤلات حول سبب عدم قطع الحكومة التركية علاقاتها التجارية مع إسرائيل في حين تبدو خطاباتها الإعلامية حادّة في مهاجمتها، وعبّر عن ذلك أحمد داوود اوغلو رئيس الوزراء التركي الأسبق الذي اصبح معارضاً لأردوغان “لماذا شحنات البترول من ميناء جيهان إلى اسرائيل ما تزال مستمرة، وقود الطيران الاسرائيلي من عندنا والطعام الذي يتناوله الجنود الاسرائيليون من عندنا”. 

ورغم مواقف أردوغان الليّنة لكنه لم ينجح في إذابة الجليد في علاقاته مع دول الغرب والذي توضّح خلال زيارته لالمانيا في شهر نوفمبر الماضي والتي إنتهت إلى رفض تزويد تركيا بطائرات تايفون لانه “يقدّم نفسه كشريك لا تتفق سياساته مع الناتو وبقية دول الغرب في أي موضوع”، وكذلك لم يتمكّن من إحراز تقدم في تسهيل وصول البضائع التركية الى السوق الأوروبية أو تسهيل منح تأشيرات شنغن للاتراك.   وفي النهاية اثبتت حرب غزّة الأخيرة أن سياسة أردوغان المتناقضة والمزدوجة لم تخدع احداً فلا هو تمكّن من إصلاح علاقاته مع الغرب وفي نفس الوقت لم تعد خطاباته النارية تخدع احداً في الشرق، وبالتالي عليه أن يختار سياسة واضحة محدّدة في السنوات المتبقية له في الحكم، ورغم صعوبة معرفة ذلك مع شخصية متقلبة مثل أردوغان ولكن المؤشرات حتى الآن تقول أنه سيعطي أولوية للإقتصاد نتيجة وضع تركيا الصعب في هذا المجال وبالتالي سيعمل على تحسين علاقاته مع الغرب، ولكنه في هذه الحالة سيغامر بفقد جمهوره في الداخل التركي والمكوّن بشكل رئيسي من عوام مسلمي الريف والأشهر المقبلة هي التي ستكشف أي الطريقين سيختار أردوغان. 

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.