skip to content
Skip to content

إقرأ أيضاً

ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
democratic-republican
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
ap24196042886688-1
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
إصلاحيون تحت عمامة خامنئي
b954816d-401f-44e3-9f1b-01f2fefe0bb7
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
استثمار زائف في ديمقراطية مملة
element5-digital-T9CXBZLUvic-unsplash
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
ازدراء الحقائق في العراق الأمريكي الإيراني
R
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
عزلة جو بايدن الأوروبية
AP21166435923906
WhatsApp Image 2023-10-12 at 13.46.04
كرم نعمة
"أدلجني" وخذ ما تريد.. محاولات التاريخ الفاشلة في صياغة المصطلحات
WhatsApp Image 2023-11-03 at 15.25.09
هاني نديم
December 8, 2023
هاني نديم -

إذا كانت أول ضحية للترجمة هي “النكتة” بحسب سويفت، فإن أول ضحية للحروب هي “المصطلحات” حسب وجهة نظري، وهو ما دفع الكثير بتأويل تلك الفكرة بقولهم: الحقيقة أول ضحية في الحرب. وهو لفظ غير دقيق تماماً، ولكنه نافذ صوب تخلخل المصطلحات وإعادة هدمها وبنائها عند كل اضطراب بشري. وهو بالتالي أيضاَ إعادة تشكيل للحقيقة برمتها، مع مذهبي الدائم أن المصطلح -أي مصطلح- غير قطعي منذ الأزل ومتغير ومضحك في كثير من الأحيان، وأن اللغة والخطاب سبب كل فوضى في هذا العالم!

في الحرب الأخيرة على غزة، ومع الهجوم الذي بدأته حماس، حار (اليسار) في تصنيف تلك العملية، هل هو فعل تحرري؟ نعم! هل هو مبرر؟ بدأ الشقاق هنا، بين حالة إنهاء استعمار وبين حالة الإرهاب.

مجرد قولنا (يسار)، وقعنا بفخٍ عظيم. إننا ننطلق مرتكزين على أيدلوجيا، وقد قيل وعمل بموت الأيديلوجيات من الستينيات، وقد كان لكتاب دانييل بيل “نهاية الأيديولوجيا” عام 1960، الوقع الكبير بين النخب حيث يقول بما مفاده: “لم يعد هناك أي نقاش جدي حول الأيديولوجيات السياسية، لقد فقدت الرؤى الشمولية، سواء اليسار أو اليمين، جاذبيتها بين العقلاء”.

لكننا نشهد اليوم عودة الأيديولوجيات بشكل صارخ، بدأ هذا منذ عشرين عاماً وازداد مع الحروب المتقطعة والفوضى والاضطرابات، وهو ما يقول به “دان أدلشتاين” الذي كان سبباً حقيقياً لكتابتي هذا المقال بوصفه يؤكد فكرتي عن فوضى المصطلحات ويؤكد عودة الأيديولوجيات إلى الحياة، ويخلص إلى: “إذا كنا نأمل في الحدّ من جاذبية الأيديولوجيات، فنحن بحاجة ماسة إلى فهم كيفية عملها”.

عموماً هنا مربط الفرس من وجهة نظري! حسنٌ دعونا نأخذ مصطلح (الأيديولوجيا) كنموذج.. سأسأل طلابي: عرّف لي الأيديولوجيا! وسنتفق ونختلف في صياغة (بيان) أو تعريف نهائي لتلك الكلمة المربكة، شأنها شأن كل المصطلحات.

أنظرْ إلى هذا التعريف المخاتل وهو المعتمد لدائرة المعارف: “الأيديولوجيا باليونانية القديمة هي لفظ مركب من كلمتين: δέα إيديا، أي فكرة، وλόγος لوغوس أي علم. وبتعريبها المعتمد يطالعنا منير البعلبكي صاحب ترجمة قاموس المورد الأشهر: الأيديولوجيا هي منطق الأفكار، الأدلوجة!، الفكرويَّة!، الفكرانية!، العقيدة الفكرية، إلا أن التعريف الأكثر تداولاً هو الذي يحدد الأيديولوجيا بأنها” النسق الكلّي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه. وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه!!، فضلاً عن أن الإيدلوجيا أصبحت نسقاً قابل للتغير وذلك استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء كانت على المستوى المحلي أم العالمي”، انتهى الاقتباس (خمسون إشارة تعجب).

حسنٌ مرة أخرى، لنستجدي اللغة من جديد في تعريف الأيديولوجيا: يقول “مانهايم”: إنها مفهومٌ ضامٌّ لأفكار تتضمن أحكاماً تعنى ببناءات الوعي (لا أعرف كم إشارة تعجب عند كلمة وعي تحديداً).

لعل تعريف ادلشتاين الأقرب لنفسي إذ يقول: “الأيديلوجيا هي سردية مُرضية ومبتكرة وثورية. إنها مرضية، سواء أكانت بالمعنى المعتاد غير الطبيعي أو غير الصحي أو بالمعنى الحرفي، فهي خطاب أو شعارات تثير مشاعر قوية تصب معظمها في الرثاء، وبهذا فهي تقاوم العديد من الاعتراضات العقلانية رغم أنها في غالب أمرها تستند على نقاط صحيحة”.

هذا التعريف ينفذ من سطح اللغة إلى “فقهها” ولكنه أيضاً غير دقيق تماماً!

تمت صياغة كلمة “أيديولوجية” خلال الثورة الفرنسية من قبل المثقفين الذين حاولوا فهم وتجنب ما اعتبروه تجاوزات مروعة للإرهاب (ولعل ديستوت دي ترايسي أول من اجترح المصطلح). والإديولوجيا، كما فهموها آنذاك، هي العلم الذي ينبغي أن يقودنا إلى الحقيقة في الأمور الأخلاقية والسياسية. وينبغي أن يمنع الأخطاء التي دفعت الثوار الفرنسيين إلى العنف الطافح بين الأشقاء ومن هم على طرف واحد. كان مشروع الأيديولوجيين مستوحى من مبدأ التقدم التاريخي، الذي انبثق مؤخرا من صراع القدماء والمحدثين في نزاع أكاديمي اندلع بين عامي 1680 و1720 في فرنسا وإنجلترا. وقد فاز المحدثون بأفكارهم الجديدة فيما يتعلق ب التقدم التدريجي للمجتمع نحو العقل والعدالة وهو ما جعل عصرهم الأعظم بين العصور القديمة.

لن ينتهي الحديث عن هذا، إنها نافذة لنعيد التفكير بجدوى الاصطلاح ومراجعة المعنى والجوهر. إن كثرة التعريفات لمصطلح واحدٍ يشير بقوة وحزم إلى عدم صلاحية واحدٍ منها، وأن كل تعريف يستدرك نقص التعريف الذي قبله.

اليوم – وأعتقد جازماً – نحن في حرب عالمية بين المصطلحات، حرب مفاهيم تعاد صياغتها من جديد، والغلبة للأبلغ! إذ أن الأيديولوجيات بحسب ما تقدم وحسب دان أدلشتاين نفسه، لا تكمن في قدرتها على الإقناع ولا في عرضها للحقائق، بل في حشدها للمشاعر. وبهذا يمكننا أن نعتبر أن الأيديولوجيا جنساً أدبياً ونسقاً كتابياً، وأنها شكلٌ من أشكال الميلودراما وليس خطاباً فلسفياً.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال تعبر عن كتّاب المقالات، ولا تعبر بالضرورة عن آراء الموقع وإدارته.